" ثعبان مبين " ظاهر الثعبانية لا شيء يشبه الثعبان كما تكون الأشياء المزورة بالشعوذة والسحر . وروي أنها انقلبت حية ارتفعت في السماء قدر ميل ثم انحطت مقبلة إلى فرعون وجعلت تقول : يا موسى مرني بما شئت . ويقول فرعون : أسألك بالذي أرسلك إلا أخذتها فأخذها فعادت عصا " للناظرين " دليل على أن بياضها كان شيئا يجتمع النظارة على النظر إليه لخروجه عن العادة وكان بياضا نوريا . روي أن فرعون لما أبصر الآية الأولى قال : فهل غيرها ؟ فأخرج يده فقال له : ما هذه ؟ قال : يدك فما فيها ؟ فأدخلها في إبطة ثم نزعها ولها شعاع يكاد يغشى الأبصار ويسد الأفق .
" قال للملأ حوله إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون " فإن قلت : ما العالم في " حوله " ؟ قلت : هو منصوب نصبين : نصب في اللفظ ونصب في المحل ؛ فالعامل في النصب اللفظي ما يقدرفي الظرف والعامل في النصب المحلي وهو النصب على الحال . قال : ولقد تحير فرعون لما أبصر الآيتين وبقي لا يدري أي طرفيه أطول حتى زل عنه ذكر دعوى الإلهية وحط عن منكبيه كبرياء الربوبية وارتعدت فرائصه وانتفخ سحره خوفا وفرقا ؛ وبلغت به الاستكانة لقومه الذيسن هم بزعمه عبيده وهو إلههم : أن طفق يؤامرهم ويعترف لهم بما حذر منه وتوقعه وأحسش به من جهة موسى عليه السلام وغلبته على ملكه وأرضه وقوله : " إن هذا الساحر عليم " قول باهت إذا غلب ومتمحمل إذا لزم " تأمرون " من المؤامرة وهي المشاورة . أو من ألأمر الذي هو ضد النهي : جعل العبيد آمرين وربهم مأمورا لما استولى عليه من فرط الدهش والحيرة . وماذا منصوب : إما لكونه في معنى المصدر وإما لأنه مفعول بهمن قوله : أمرتك الخير .
" قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين يأتون بكل سحار عليم " قرئ : أرجئه وأرجه : بالهمز والتخفيف وهما لغتان . يقال : أرجأته وأرجيته إذا أخرته . ومنه : المرجئة وهم الذين لا يقطعون بوعيد الفساق ويقولون : هم مرجئون لأمر الله . والمعنى : أخره ومناظرته لوقت اجتماع السحرة . وقيل : احبسه " حاشرين " شرطا يحشرون السحرة وعارضوا قوله : إن هذا لساحر بقولهم : بكل سحار فجاؤوا بكلمة الإحاطة وصفة المبالغة ليطامنوا من نفسه ويسكنوا بعض قلقه . وقرأ الأعمش : بكل ساحر .
" فجمع السحرة لميقات يوم معلوم وقيل للناس هل أنتم مجتمعون لعلنا تتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين " اليوم المعلوم : يوم الزينة . وميقاته : وقت الضحى ؛ لأنه الوقت الذي وقته لهم موسى صلوات الله عليه من يوم الزينة في قوله : " موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى " طه : 59 والميقات : ما وقت به أي حدد من زمان أو مكان . ومنه : مواقيت الإحرام " هل أنتم مجتمعون " استبطاء لهم في الاجتماع والمراد منه : استعجالهم واستحاثهم كما يقول الرجل لغلامه : هل أنت منطلق : إذا اراد أن يحرك منه ويحثه على الانطلاق كأنما يخيل له أن الناس قد انطلقوا وهو واقف . ومنه قول تأبط شرا : .
هل أنت باعث دينار لحاجتنا ... أو عبد رب أخا عون بن مخراق .
يريد : ابعثه إلينا سريعا ولا تبطئ به " لعلنا نتبع السحرة " أي في دينهم إن غلبوا موسى ولا نتبع موسى في دينه . وليس غرضهم اتباع السحرة وإنما الغرض الكلي : أن لا يتبعوا موسى فساقوا الكلام مساق الكناية ؛ لأنهم إذا اتبعوهم لم يكونوا متبيعين لموسى عليه السلام .
" فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين " وقرئ : نعم بالكسر وهما لغتان . ولما كان قوله : " أين لنا لأجرا " في معنى جزاء الشرط لدلالته عليهي وكان قوله : " وإنكم إذا لمن المقربين " معطوفا عليه ومدخلا في حكمه دخلت إذا قارة في مكانها الذي تقتضيه من الجواب والجزاء وعدهم أن يجمع لهم إلى الثواب على سحرهم الذي قدروا أنهم يغلبون به موسى : القربة عنده والزلفى .
" قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا فرعون إنا لنحن الغالبون " أقسموا بعزة فرعون وهي من أيمان الجاهلية وهكذا كل حلف بغير الله ولا يصح في الإسلام إلا الحلف بالله معلقا ؟ ببعض أسمائه أو صفاته كقولك : بالله والرحمن وربي ورب العرش وعزة الله وقدرة الله وجلال الله وعظمة الله قال رسول الله A :