لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالطواغيت ولا تحلفوا إلا بالله ولا تحلفوا بالله إلا أنتم صادقون . ولقد استحدث الناس في هذا الباب في إسلامهم جاهلية نسيب لها الجاهلية الأولى وذلك أن الواحد منهم لو أقسم بأسماء الله كلها وصفاته على شيء : لم يقبل منه ولم يعتد بها حتى يقسم برأس سلطانه فإذا أقسم به فتلك عندهم جهد اليمين التي ليس وراءها حلف لحالف .
" فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون فألقى السحرة ساجدين قالوا ءامنا برب العالمين رب موسى وهارون " " ما يأفكون " ما يقلبونه عن وجهه وحقيقته بسحرهم وكيدهم ويزورونه فيخيلون في حبالهم وعصيهم أنها حيات تسعى بالتمويه على الناظرين أو إفكهم : سمى تلك الأشياء إفكا مبالغة . روي أنهم قالوا : إن يك ما جاء به موسى سحرا فلن يغلب وإن كام من عند الله فلن يخفى علينا فلما قذف عصاه فتلقفت ما أتوا به علموا أنه من الله فآمنوا . وعن عكرمة Bه : أصبحوا سحرة وأمسوا شهداء . وإنما عبر عن الخرور بالإلقاء لأنه ذكر مع الإلقاءات فسلك به طريق المشاكلة . وفيه أيضا مع مراعاة المشاكلة أنهم حين رأوا ما رأوا لم يتمالكوا أن رموا بأنفسهم إلى الأرض ساجدين كأنهم أخذوا فطرحوا طرحا . فإن قلت : فاعل الإلقاء مع هو لو صرح به ؟ قلت : هو الله عز وحل بما خولهم من التوفيق . أو إيمانهم . أو ما عاينوا من المعجزات الباهرة ولك أن تقدر فاعلا ؛ لأن " ألقوا " بمعنى خروا وسقطوا " رب موسى وهارون " عطف بيان لرب العالمين لأن فرعون لعنه الله عليه كان يدعي الربوبية فارادوا أن يعزلوه . ومعنى إضافته إليهما في ذلك المقام : أنه الذي يدعو إليه هذانن والذي أجرى على أيدهما ما أجرى .
" قال ءامنتم له قبل أن ءاذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلسوف تعلمون لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين " " فلسوف تعلمون " أي وبال ما فعلتم .
" قالوا لا ضير لنا إلى ربنا منقلبون إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين " الضر والضير والضور : واحد أرادوا : لا ضرر علينا في ذلك بل لنا فيه أعظم النفع لما يحصل لنا في الصبر عليه لوجه الله من تكفير الخطايا والثواب العظيم مع الأعواض الكثيرة . أو لا ضير علينا فيما تتوعدنا به من القتل أنه لا بد لنا من افنقلاب إلى ربنا بسبب من أسباب الموت . والقتل أهون أسبابه وأرجاها . أو ضير علينا في قتلك إنك إن قتلتنا انقلبنا إلى ربنا انقلاب من يطمع في مغفرته ويرجو رحمته لما رزقنا من السبق إلى الإيمان وخبر " لا " مذوف . والمعنى : لاضير في ذلك أو علينا " أن كنا " معناه : لأن كنا وكانوا أول جماعة مؤمنين من أهل زمانهم أو من رعية فرعون أو من أهل المشهد . وقرئ إن كنا بالكسر وهو من الشرط الذي يجئ به المدل بأمره المتحقق لصحته وهم كانوا متحققين أنهم أول المؤمنين . ونظيره قول العامل لمن يؤخر جعله : إن كنت عملت لك فوفني حقي ومنه قوله تعالى : " إن كنتم رخجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي " الممتحنة : 1 مع علمه أنهم لم يخرجوا إلا لذلك .
" وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم متبعون فأرسل فرعون في لامدائن حاشرين إن هؤلاء لشرذمة قليلون وإنهم لغائظون وإنا لجميع خالدون "