ويجوز أن يوحد لأن حكمهما لتساندهما واتفاقهما على شريعة واحدة واتحادهما لذلك وللأخوة كان حكما واحدا فكأنهما رسول واحد . أو أريد أن كل واحد منا " أن أرسل " بمعنى : أي أرسل ؛ لتضمن الرسول معنى الإرسال . وتقول : أرسلت إليك أن أفعل كذا لما في الإرسال من معنى القول كما في المناداة والكتابة ونحو ذلك . ومعنى هذا الإرسال : التخلية والإطلاق كقولك : أرسل البازي يريد : خلهم يذهبوا معنا إلى فلسطين وكانت مسكنها . ويروي أنهما انطلقا إلى باب فرعون فلم يؤذن لهما سنة حتى قال البواب : إن ههنا إنساسا يزعم أنهخ رسول رب العالمين فقال : ائذن له لعلنا نضحك منه فأديا إليه الرسالة فعرف موسى فقال له : " ألم نربك " حذف : فأتيا فرعون فقالا له ذلك لأنه معلوم لا يشتبه . وهذا النوع من الاختصار كثير في التنزيل . الوليد : الصبي لقرب عهده من الولادة . ولبثت فينا من عمرك وفي رواية عن أبي عمرو : من عمرك بسكون الميم " سنين " قيل : مكث عندهم ثلاثين سنة . وقيل : وكز القبطي وهو ابن ثنتي عشرة سنة وفر منهم على أثرها والله أعلم بصحيح ذلك . وعن الشعبي : فعلتك بالكسر وهي قتلة القبطي لأنه قتلة بالوكز وه ضرب من القتل . وأما الفعلة ؛ فلأنها كانت وكزة واحدة . عدد عليه نعمته من تربيته وتبليغه مبلغ الرجال ووبخه بما جرى على يده من قتل خبازه وعظم ذلك وفظعه بقوله : " وفعلت التي فعلت وأنت من الكافرين " يجوز أن يكون حالا أي : قتلته وأنت لذاك من الكافرين بنعمتي . أو أنت إذ ذاك ممن تكفرهم الساعة وقد افترى عليه أو جهل أمره ؛ لأنه كان يعايشهم بالتقية فإن الله تعالى عاصم من يريد أن يستنبئه من كبيرة ومن بعض الصغائر فما بال الكفر . ويجوز أن يكون قوله : " وأت من الكافرين " حكما عليه بأنه من الكافرين بالنعم ومن كانت عادته كفران النعم لم يكن قتل خواص المنعم عليه بدعا منه . أو بأنه من الكافرين لفرعون وإلهته . أو من الذين كانوا يكفرون في دينهم فقد كانت لهم آلهة يعبدونهم يشهد لذلك قوله تعالى : " ويذرك وآلهتك " الأعراف : 127 وقرئ : إلهتك فأجابه موسى بأن تلك الفعلة إنما فرطت منه وهو " من الضالين " أي الجاهلين . وقراءة ابن مسعود : من الجاهلين مفسرة . ولامعنى : من الفاعلين فعل أولى الجهل واسفه . كما اقل يوسف لإخوته : " هل علمتهم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون " يوسف : 89 أو المخطئين كمن يقتل خطأ من غير تعمد للقتل . أو الذاهبين عن الصواب . أو الناسين من قوله : " أن تضل إحدهما فتذكر إحداهما الأخرى " البقرة : 282 وكذب فرعون ودفع الوصف بالكفر عن نفسه وبرأ ساحته بأن وضع الضالين موضع الكافرين ربئا بمحل من رشح للنبوة عن تلك الصفة ثم كر على امتنانه عليه بالتربية فأبطله من أصله واستأصله من سنخه وأبي أن يسمى نعمته إلا نقمة . حيث بين أن حقيقة إنعامه عليه تعبيد بني إسرائيل ؛ لأن تعبيدهم بذبح أبنائهم هو السبب في حصوله عنده وتربيته فكأنه امتن عليه بتعبيد قومه إذا حققت وتعبيدهم : تذليلهم واتخاذهم عبيدا . يقال : عبدت الرجل وأعبدته إذا اتخذته عبدا . قال : .
علام يعبدني قومي وقد كثرت ... فيهم أباعر ما شاءوا وعبدان .
فإن قلت : إذا جواب وجزاء معا والكلام وقع جوابا لفرعون فكيف وقع جزاء ؟ قلت : قول فرعون : " وفعلت فعلتك " فيه معنى : إنك جازيت نعمتي بما فعلت فقال به موسى : نعم فعلتها مجازيا لك تسليما لقوله لأن نعمته كانت عنده جديرة بأن تجازى بنحو ذلك الجزاء . فإن قلت : لم يكونا منه وحده ولكن منه ومن ملئه المؤتمرين بقتله بدليل قوله : " إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك " القصص : 20 وأما الامتنان فمنه وحده . وكذلك التعبيد . فإن قلت : " تلك " إشارة إلى ماذا و " أن عبدت " ما محلها من الإعراب ؟ قلت : تلك إشارة إلى خصلة شنعاء مبهمة لا يدري ما هي إلا بتفسيرها وحل " أ عبدت " . ألرفع عطف بيسان لتلك ونظيره قوله تعالى " وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع " الحجر : 66 والمعنى : تعبيدك بني إسرائيل نعمة تمنها علي . وقال الزجاج : ويجوز أن يكون " أن " في موضع نصب المعنى : إنما صارت نعمة علي لأن عبدت بني إسائيل ؛ أي : لو لم تفعل ذلك لكلفني أهلي ولم يلقوني في اليم .
" قال فرعون وما رب العالمين "