لا تراءى نارهما كأن بعضهما يرى بعضا على سبيل المجاز . والمعنى : إذا كانت منهم بمرأى الناظر في البعد سمعوا صوت غليانها . وشبه ذلك بصوت المتغيظ والزافر . ويجوز أن يراد : إذا رأتهم زبانيتها تغيظوا وزفروا غضبا على الكفار وشهوة للإنتقام منهم . الكرب مع الضيق كما أن الروح مع السعة ولذلك وصف الله الجنة بأن عرضها السموات والأرض . وجاء في الأحاديث : أن لكل مؤمن من القصور والجنان كذا وكذا . ولقد جمع الله على أهل النار أنواع التضييق والإرهاق حيث ألقاهم في مكان ضيق يترابصوا فيه تراصا كما روي عن ابن عباس Bهما في تفسيره أن يضيق عليهم كما يضيق الزج في الرمح وهم مع ذلك الضيق مسلسلمون مقرنون في السلاسل قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الجوامع . وقيل : يقرن مع كل كافر شيطانه في سلسلة وفي أرجلهم الأصفاد . والثبور : الهلاك ودعاؤه أن يقال : واثبوراه أي : تعال يا ثبور فهذا حينك وزمانك " لا تدعوا " أي يقال لهم ذلك : أو هم أحقاء بأن يقال لهم وإن لم يكن ثمة قول ومعنى " وادعوا ثبورا كثيرا " أنكم وقعتم فيما ليس ثبور لشدته وفظاعته أو لأنهم كلما نضجت جلودهم بدلوا غيرها فلا غاية لهلاكهم .
" قل أذلك خير أم جنة التي وعد المتقون كانت لهم جزاء ومصيرا " لهم فيها ما يشاؤون خالدين كان على ربك وعدا مسئولا " الراجع إلى الموصولين محذوف يعني وعدها المتقون وما يشاؤونه . وإنما قيل : كانت لأن ما وعده الله وحده فهو في تحقيقه كأنه قد كان . أو كان مكتوبا في اللوح قبل أن برأهم بأزمنة متطاولة : أن الجنة جزاؤهم ومصيرهم . فإن قلت : ما معنى قوله : " كانت لهم جزاء ومصيرا " ؟ قلت : هو كقوله : " نعم الثواب وحسنت مرتفقا " الكهف : 29 قدم العقاب ومكانه لأن النعيم لا يتم للمتنعم إلا بطيب المكان وسعته وموافقته للمراد والشهوة وأن لا تنغص وكذلك العقاب يتضاعف بغثاثة الموضع وضبقه وظلمته وجمعه لأسباب الإجتواء والكراهة فلذلك ذكر المصير مع ذكر الجزاء . والضمير في " كان " لما يشاؤون . والوعد : الموعود أي : كان ذلك موعودا واجبا على ربك إنجازه حقيقا أن يسئل ويطلب لأنه جزاء وأجر مستحق . وقيل : قد سأله الناس والملائكة في دعواتهم : " ربنا وآتينا ما وعدتنا على رسلك " آل عمران : 194 ، " ربنا أتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وفي الآخرة حسنة : البقرة : 201 ، " ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم " غافر : 8 .
" ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول ءأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وءاباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا "