( الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم يملك الله من يشاء فتصير ملكا ثم تصير بزيزى قطع سبيل وسفك دماء وأخذ أموال بغير حقها ) وقرئ : ( كما استخلف ) على البناء للمفعول ( وليبدلنهم ) بالتشديد . فإن قلت : أين القسم الملتقى باللام والنون في " ليستخلفنهم " ؟ قلت : هو محذوف تقديره : وعدهم الله وأقسم ليستخلفنهم أو نزل وعد الله في تحققه منزلة القسم فتلقى بما يتلقى به القسم كأنه قيل : أقسم الله ليستخلفنهم . فإن قلت : ما محل " يعبدونني " ؟ قلت : إن جعلته استئنافا لم يكن له محل كأن قائلا قال : ما لهم يستخلفون ويؤمنون ؟ فقال : يعبدونني . وإن جعلته حالا عن وعدهم أي وعدهم الله ذلك في حال عبادتهم وإخلاصهم فمحله النصب " ومن كفر " يريد كفران النعمة ؛ كقوله : " فكفرت بأنعم الله " النحل : 112 . " فأولئك هم الفاسقون " أي : هم الكاملون في فسقهم حيث كفروا تلك النعمة العظيمة وجسروا على غمطها . فإن قلت : هل في هذه الآية دليل على أمر الخلفاء الراشدين ؟ قلت : أوضح دليل وأبينه ؛ لأن المستخلفين الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم هم .
" وأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون " " وأقيموا الصلاة " معطوف على " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول " وليس ببعيد أن يقع بين المعطوف والمعطوف عليه فاصل وإن طال : لأن حق المعطوف أن يكون غير المعطوف عليه . وكررت طاعة الرسول : تأكيدا لوجوبها .
" لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض ومأواهم النار ولبئس المصير " وقرئ : ( لا يحسبن ) بالياء . وفيه أوجه : أن يكون " معجزين في الأرض " هما المفعولان . والمعنى : لا يحسبن الذين كفروا أحدا يعجز الله في الأرض حتى يطمعوا هم في مثل ذلك . وهذا معنى قوي جيد . وأن يكون فيه ضمير الرسول لتقدم ذكره في قوله : " وأطيعوا الرسول " وأن يكون الأصل : لا يحسبنهم الذين كفروا معجزين ثم حذف الضمير الذي هو المفعول الأول وكان الذي سوغ ذلك أن الفاعل والمفعولين لم كانت لشيء واحد اقتنع بذكر الثالث ؛ وعطف قوله : " ومأواهم النار " على لا يحسبن الذين كفروا معجزين ؛ كأنه قيل : الذين كفروا لا يفوتون الله ومأواهم النار . والمراد بهم : المقسمون جهد أيمانهم .
" ياأيها الذين ءامنوا ليستئذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين الله لكم الأيات والله عليم حكيم " أمر بأن يستأذن العبيد . وقيل : العبيد والإماء والأطفال الذين لم يحتلموا من الأحرار " ثلاث مرات " في اليوم والليلة : قبل صلاة الفجر ؛ لأنه وقت القيام من المضاجع وطرح ما ينام فيه من الثياب ولبس ثياب اليقظة . وبالظهيرة : لأنها وقت وضع الثياب للقائلة . وبعد صلاة العشاء ؛ لأنه وقت التجرد من ثياب اليقظة والالتحاف بثياب النوم .
وسمى كل واحدة من هذه الأحوال عورة ؛ لأن الناس يختل تسترهم وتحفظهم فيها . والعورة : الخلل . ومنها : أعور الفارس وأعور المكان والأعور : المختل العين . ثم عذرهم في ترك الاستئذان وراء هذه المرات وبين وجه العذر في قوله : " طوافون عليكم " يعني أن بكم وبهم حاجة إلى المخالطة والمداخلة : يطوفون عليكم بالخدمة ويطوفون عليهم للاستخدام ؛ فلو جزم الأمر بالاستئذان في كل وقت لأدى إلى الحرج . وروي : أن مدلج بن عمرو : وكان غلاما أنصاريا أرسله رسول الله A وقت الظهر إلى عمر ليدعوه فدخل عليه وهو نائم وقد انكشف عنه ثوبه فقال عمر : لوددت أن الله D نهى آباءنا وأبناءنا وخدمنا أن لا يدخلوا علينا هذه الساعات إلا بإذن ثم انطلق معه إلى النبي A . فوجده وقد أنزلت عليه هذه الآية .
وهي إحدى الآيات المنزلة بسبب عمر رضي الله تعالى عنه .
وقيل : نزلت في أسماء بنت أبي مرثد قالت : إنا لندخل على الرجل والمرأة ولعلهما يكونان في لحاف واحد . وقيل : دخل عليها غلام لها كبير في وقت كرهت دخوله فأتت رسول الله A فقالت : إن خدمنا وغلماننا يدخلون علينا في حال نكرهها