ثنى " أنكم " للتوكيد وحسن ذلك لفصل ما بين الأول والثاني بالظرف . ومخرجون : خبر عن الأول . أو جعل " أنكم مخرجون " مبتدأ و " إذا متم " خبرا على معنى : إخراجكم إذا متم ثم أخبر بالجملة عن إنكم أو رفع " أنكم مخرجون " بفعل هو جزاء للشرط كانه قيل : إذا متم وقع إخراجكم . ثم أوقعت الجملة الشرطية خبرا عن إنكم . وفي قراءة ابن مسعود : " أيعدكم إذا متم " .
قرىء : " هيهات " بالفتح والكسر والضم كلها بتنوين وبلا تنوين وبالسكون على لفظ الوقف فإن قلت : ما توعدون هو المستبعد ومن حقه أن يرتفع بهيهات كما ارتفع في قوله : .
فهيهات هيهات العقيق وأهله .
فما هذه اللام ؟ قلت قال الزجاج في تفسيره : البعد لما توعدون أو بعد لما توعدون فيمن نون فنزله منزلة المصدر . وفيه وجه آخر : وهو أن يكون اللام لبيان المستبعد ما هو بعد التصويت بكلمة الاستبعاد كما جاءت اللام في " هيت لك " يوسف : 23 ، لبيان المهيت به .
" إن هى " هذا ضمير لا يعلم ما يعني به إلا بما يتلوه من بيانه . وأصله : إن الحياة " إلا حياتنا الدنيا " ثم وضع " هي " موضع الحياة لأن الخبر يدل عليها ويبينها . ومنه : هي النفس تتحمل ما حملت وهي العرب تقول ما شاءت . والمعنى : لا حياة إلا هذه الحياة ؛ لأن " إن " النافية دخلت على " هي " التي في معنى الحياة الدالة على الجنس فنفتها فوازنت " لا " التي نفت ما بعدها نفي الجنس " نموت ونحيا " أي يموت بعض ويولد بعض ينقرض قرن ويأتي قرن آخر ثم قالوا : ما هو إلا مفتر على الله فيما يدعيه من استنبائه له وفيما يعدنا منه البعث وما نحن بمصدقين .
" قال رب انصرني بما كذبون قال عما قليل ليصبحن ندمين فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلنهم غثاء فبعدا للقوم الظلمين " .
" قيل " صفة للزمان كقديم وحديث في قولك : ما رأيته قديما ولا حديثا . وفي معناه : عن قريب . و " ما " توكيد قلة المدة وقصرها " الصيحة " صيحة جبريل عليه السلام : صاح عليهم فدمرهم " بالحق " بالوجوب ؛ لأنهم قد استوجبوا الهلاك . أو بالعدل من الله من قولك : فلان يقضي بالحق إذا كان عادلا في قضاياه : " فجعلنهم غثاء " شبههم في دمارهم بالغثاء : وهو حميل السيل مما بلي واسود عن العيدان والورق . ومنه قوله تعالى : " فجعله غثاء أحوى " الأعلى : 5 ، وقد جاء مشددا في قول امرىء القيس : .
من السيل والغثاء فلكة مغزل .
بعدا وسحقا ودفرا ونحوها ؛ مصادر موضوعة مواضع أفعالها وهي من جملة المصادر التي قال سيبويه : نصبت بأفعال لا يستعمل إظهارها . ومعنى " فبعدا " : بعدوا أي : هلكوا يقال : بعد بعدا وبعدا نحو رشد رشدا ورشدا . و " للقوم الظلمين " بيان لمن دعي عليه بالبعد نحو : " هيت لك " يوسف : 23 . و " لما توعدون " المؤمنون : 36 .
" ثم أنشأنا من بعدهم قرونا آخرين ما تسبق من أمة أجهلها وما يستخرجون " .
" قرونا " قوم صالح ولوط وشعيب وغيرهم . وعن ابن عباس Bهما : بني إسرائيل " أجلها " الوقت الذي حد لهلاكها وكتب .
" ثم أرسلنا رسلنا تترا كل ما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا وجعلنهم أحاديث فبعدا لقوم لا يؤمنون " .
" تترى " فعلى : الألف للتأنيث ؛ لأن الرسل جماعة . وقرىء : " تترى " بالتنوين والتاء بدل من الواو كما في : تولج وتيقور أي : متواترين واحدا بعد واحد من الوتر وهو الفرد : أضاف الرسل إليه تعالى وإلى أممهم " ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات " المائدة : 32 ، " ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات " الأعراف : 101 ، لأن الإضافة تكون بالملابسة والرسول ملابس المرسل والمرسل إليه جميعا بالملابسة " فأتبعنا " الأمم أو القرون " بعضهم بعضا " في الإهلاك " وجعلنهم " أخبارا يسمر بها ويتعجب منها . الأحاديث : تكون اسم جمع للحديث . ومنه : أحاديث رسول الله A . وتكون جمعا للأحدوثة : التي هي مثل الأضحوكة والألعوبة والأعجوبة . وهي : مما يتحدث به الناس تلهيا وتعجبا وهو المراد ههنا .
" ثم أرسلنا موسى وأخاه هرون بئايتنا وسلطن مبين إلى فرعون وملإيه فاستكبروا وكانوا قوما عالين "