جيء بعلى مع سبق الضار كما جيء باللام مع سبق النافع . قال الله تعالى : " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى " الأنبياء : 101 ، " ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين " الصافات : 171 ، ونحو قوله تعالى : " لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت " البقرة : 286 ، وقول عمر Bه : ليتها كانت كفافا لا علي ولا لي . فإن قلت : لم نهاه عن الدعاء لهم بالنجاة ؟ قلت : لما تضمنته الآية من كونهم ظالمين وإيجاب الحكمة أن يغرقوا لا محالة لما عرف من المصلحة في إغراقهم والمفسدة في استبقائهم وبعد أن أملى لهم الدهر المتطاول فلم يزيدوا إلا ضلالا ولزمتهم الحجة البالغة لم يبق إلا أن يجعلوا عبرة للمعتبرين . ولقد بالغ في ذلك حيث أتبع النهي عنه الأمر بالحمد على هلاكهم والنجاة منهم كقوله : " فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين " الأثعام : 45 ، ثم أمره أن يدعوه بدعاء هو أهم وأنفع له وهو طلب أن ينزله في السفينة أو في الأرض عند خروجه منها منزلا يبارك له فيه ويعطيه الزيادة في خير الدارين وأن يشفع الدعاء بالثناء عليه المطابق لمسألته وهو قوله : " وأنت خير المنزلين " . فإن قلت : هلا قيل : فقولوا ؛ لقوله : " فإذا استويت أنت ومن معك " لأنه في معنى : فإذا استويتم . قلت : لأنه نبيهم وإمامهم فكان قوله قولهم مع ما فيه من الإشعار بفضل النبوة وإظهار كبرياء الربوبية وأن رتبة تلك المخاطبة لا يترقى إليها إلا ملك أو نبي . وقرىء : " منزلا " بمعنى إنزالا أو موضع إنزال كقوله : " ليدخلنهم مدخلا يرضونه " . " إن " هي المخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة بين النافية وبينها في المعنى وإن الشأن والقصة " كنا لمبتلين " أي مصيبين قوم نوح ببلاء عظيم وعقاب شديد . أو مختبرين بهذه الآيات عبادنا لننظر من يعتبر ويذكر كقوله لعالى : " ولقد تركناها آية فهل من مدكر " القمر : 15 .
" ثم أنشأنا من بعدهم قرنا ءاخرين فأرسلنا فيهم رسولا منهم أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون " .
" قرنا ءاخرين " هم عاد قوم هود : عن ابن عباس Bهما . وتشهد له حكاية الله تعالى قول هود : " واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح " الأعراف : 69 ، ومجيء قصة هود على أثر قصة نوح في سورة الأعراف وسورة هود والشعراء . فإن قلت : حق أرسل أن يعدى بإلى كأخواته التي هي : وجه وأنفذ وبعث . فما باله عدي في القرآن بإلى تارة وبفي أخرى كقوله : " كذلك أرسلناك في أمة " الرعد : 30 ، و " وما أرسلنا في قرية من نذير " سبأ : 34 . " فأرسلنا فيهم رسولا " أي في عاد . وفي موضع آخر " وإلى عاد أخاهم هودا " الأعراف : 65 ، هود : 50 ؟ قلت : لم يعد بفي كما عدي بإلى ولم يجعل صلة مثله ولكن الأمة أو القرية جعلت موضعا للإرسال كما قال رؤبة : .
أرسلت فيها مصعبا ذا إقام .
وقد جاء " بعث " على ذلك في قوله : " ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا " الفرقان : 51 . " أن " مفسرة لأرسلنا أي : قلنا لهم على لسان الرسول : " اعبدوا الله " .
" وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفنهم فى الحيوة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخسرون " .
فإن قلت : ذكر مقال قوم هود في جوابه في سورة الأعراف وسورة هود بغير واو : " قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة " الأعراف : 66 ، " قالوا يا هود ما جئتنا ببينة " هود : 53 ، وههنا مع الواو فأي فرق بينهما ؟ قلت : الذي بغير واو على تقدير سؤال سائل قال : فما قال قومه . فقيل له : قالوا كيت وكيت . وأما الذي مع الواو فعطف لما قالوه على ما قاله . ومعناه : أنه اجتمع في الحصول هذا الحق وهذا الباطل وشتان بينهما " بلقاء الأخرة " بلقاء ما فيها من الحساب والثواب والعقاب كقولك : يا حبذا جوار مكة : أي جوار الله في مكة .
حذف الضمير والمعنى : من مشروبكم أو حذف منه لدلالة ما قبله عليه " إذا " واقع في جزاء الشرط وجواب للذين قاولوهم من قومهم أي : تخسرون عقولكم وتغبنون في آرائكم .
" أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظما أنكم مخرجون هيهات هيهات لما توعدون إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا وما نحن بمؤمنين "