" غيره " بالرفع على المحل وبالجر على اللفظ والجملة استئناف تجري مجرى التعليل للأمر بالعبادة " أفلا تتقون " أفلا تخافون أن ترفضوا عبادة الله الذي هو ربكم وخالقكم ورازقكم وشكر نعمته التي لا تحصونها واجب عليكم ثم تذهبوا فتعبدوا غيره . مما ليس من استحقاق العبادة في شيء " أن يتفضل عليكم " أن يطلب الفضل عليكم ويرأسكم كقوله تعالى : " وتكون لكما الكبرياء في الأرض " يونس : 78 . " بهذا " إشارة إلى نوح عليه السلام أو إلى ما كلمهم به من الحث على عبادة الله أي : ما سمعنا بمثل هذا الكلام أو بمثل هذا الذي يدعي وهو بشر أنه رسول الله وما أعجب شأن الضلال لم يرضوا للنبوة ببشر وقد رضوا للإلهية بحجر : وقولهم : " ما سمعنا بهذا " يدل على أنهم وآباؤهم كانوا في فترة متطاولة . أو تكذبوا في ذلك لأنهماكهم في الغي وتشمرهم لأن يدفعوا الحق بما أمكنهم وبما عن لهم من غير تمييز منهم بين صدق وكذب . ألا تراهم : كيف جننوه وقد علموا أنه أرجح الناس عقلا وأوزنهم قولا . والجنة : الجنون أو الجن أي : به جن يخبلونه " حتى حين " أي احتملوه واصبروا عليه إلى زمان حتى ينجلي أمره عن عاقبة فإن أفاق من جنونه وإلا قتلتموه .
" قال ربي انصرني بما كذبون فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم ولا تخطبنى فى الذين ظلموا إنهم مغرقون فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجنا من القوم الظلمين وقل رب أنزلنى منزلا مباركا وأنت خير المنزلين إن في ذلك لأيت وإن كنا لمبتلين " .
في نصرته إهلاكهم فكأنه قال : أهلكهم بسبب تكذيبهم إياي أو انصرني بدل ما كذبوني كما تقول : هذا بذاك أي بدل ذاك ومكانه . والمعنى : أبدلني من غم تكذيبهم سلوة النصرة عليهم أو انصرني بإنجاز ما وعدتهم من العذاب وهو ما كذبوه حين قال لهم : " إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم " الأعراف : 59 ، الشعراء : 135 ، الأحقاف : 21 ، " يأعيننا " بحفظنا وكلاءتنا كأن معه من الله حفاظا يكلؤونه بعيونهم لئلا يتعرض له ولا يفسد عليه مفسد عمله . ومنه قولهم : عليه من الله عين كالئة " ووحينا " أي نأمرك كيف تصنع ونعلمك . روي أنه أوحى إليه أن يصنعها على مثال جؤجؤ الطائر . روي أنه قيل لنوح عليه السلام : إذا رأيت الماء يفور من التنور فاركب أنت ومن معك في السفينة فلما نبع الماء من التنور أخبرته امرأته فركب . وقيل : كان تنور آدم عليه السلام وكان من حجارة فصار إلى نوح . واختلف في مكانه فعن الشعبي : في مسجد الكوفة عن يمين الداخل مما يلي باب كندة وكان نوح عمل السفينة وسط المسجد . وقيل : بالشام بموضع يقال له : عين وردة . وقيل : بالهند . وعن ابن عباس Bه : التنور وجه الأرض . وعن قتادة : أشرف موضع في الأرض أي أعلاه . وعن علي Bه : فار التنور : طلع الفجر . وقيل : معناه أن فوران التنور كان عند تنوير الفجر . وقيل : هو مثل كقولهم : حمي الوطيسى . والقول هو الأول . يقال : سلك فيه : دخله . وسلك غيره وأسلكه . قال : .
حتى إذا أسلكوهم في قتائده .
" من كل زوجين " من كل أمتي زوجين وهما أمة الذكر وأمة الأنثى كالجمال والنوق والحصن والرماك " اثنين " واحدين مزدوجين كالجمل والناقة والحصان والرمكة : روي أنه لم يحمل إلا ما يلد ويبيض . وقرئ : " من كل " بالتنوين أي : من كل أمة زوجين . واثنين : تأكيد وزيادة بيان