" بقدر " بتقدير يسلمون معه من المضرة ويصلون إلى المنفعة . أو بمقدار ما علمناه من حاجاتهم ومصالحهم . " فأسكنه فى الأرض " كقوله : " فسلكه ينابيع في الأرض " الزمر : 21 ، وقيل : جعلناه ثابتا في الأرض . وقيل : إنها خمسة أنهار : سيحون . نهر الهند . وجيحون : نهر بلخ ودجلة والفرات : نهرا العراق . والنيل : نهر مصر أنزلها الله من عين واحدة من عيون الجنة فاستودعها الجبال وأجراها في الأرض وجعل فيها منافع للناس في أصناف معيشهم . وكما قدر على أنزاله فهو قادر على رفعه وإزالته . وقوله : " على ذهاب به " من أوقع النكرات وأحزها للمفصل . والمعنى : على وجه من وجوه الذهاب به وطريق من طرقه . وفيه إيذان باقتدار المذهب وأنه لا يتعايى عليه شيء إذا أراده وهو أبلغ في الإيعاد من قوله : " قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين " الملك : 30 ، فعلى العباد أن يستعظموا النعمة في الماء ويقيدوها بالشكر الدائم ويخافوا نفارها إذا لم تشكر .
" فأنشأنا لكم به جنت من نخيل وأعنب لكم فيها فوكه كثيرة ومنها تأكلون وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للأكلين " .
خص هذه الأنواع الثلاثة لأنها أكرم الشجر وأفضلها وأجمعها للمنافع . ووصف النخل والعنب بأن ثمرهما جامع بين أمرين : بأنه فاكهة يتفكه بها وطعام يؤكل رطبا ويابسا رطبا وعنبا وتمرا وزبيبا . والزيتون بأن دهنه صالح للاستصباح والاصطباغ جميعا ويجوز أن يكون قوله : " ومنها تأكلون " من قولهم : يأكل فلان من حرفة يحترفها ومن ضيعة يغتلها ومن تجارة يتربح بها : يعنون أنها طعمته وجهته التي منها يحصل رزقه كأنه قال : وهذه الجنات وجوه أرزاقكم ومعايشكم منها ترتزقون وتتعيشون " وشجرة " عطف على جنات . وقرئت مرفوعة على الابتداء أي : ومما أنشيء لكم شجرة و " طور سيناء " وطور سينين لا يخلو إما أن يضاف فيه الطور إلى بقعة اسمها سيناء وسينون وإما أن يكون اسما للجبل مركبا من مضاف ومضاف إليه كامريء القيس وكبعلبك فيمن أضاف . فمن كسر سين سيناء فقد منع الصرف للتعريف والعجمة أو التأنيث ؛ لأنها بقعة وفعلاء لا يكون ألفه للتأنيث كحلباء وحرباء . ومن فتح فلم يصرف ؛ لأن الألف للتأنيث كصحراء . وقيل : هو جبل فلسطين . وقيل : بين مصر وأيلة . ومنه نودي موسى عليه السلام . وقرأ الأعمش : " سينا " على القصر " بالدهن " في موضع الحال أي : تنبت وفيها الحصن . وقرىء : " تنبت " وفيه وجهان أحدهما : أن أنبت بمعنى نبت . وأنشد لزهير : .
رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم ... قطينا لهم حتى إذا أنبت البقل .
والثاني : أن مفعوله محذوف أي : تنبت زيتونها وفيه الزيت . وقرىء : " تنبت " بضم التاء وفتح الباء وحكمه حكم تنبت . وقرأ ابن مسعود : تخرج الدهن وصبغ الآكلين . وغيره : تخرج بالدهن : وفي حرف أبي : " تثمر الدهن " وعن بعضهم : تنبت بالدهان . وقرأ الأعمش : " وصبغا " وقرىء : " وصباغ " ونحوهما : دبغ ودباغ . والصبغ : الغمس للائتدام . وقيل : هي أول شجرة نبتت بعد الطوفان ووصفها الله تعالى بالبركة في قوله : " يوقد من شجرة مباركة " النور : 35 .
" وإن لكم في الأنعم لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منفع كثيرة ومنها تأكلون وعليها وعلى الفلك تحملون " .
قرىء : " تسقيكم " بتاء مفتوحة أي : تسقيكما الأنعام " ومنها تأكلون " أي تتعلق بها منافع من الركوب والحمل وغير ذلك كما تتعلق بما لا يؤكل لحمه من الخيل والبغال والحمير . وفيها منفعة زائدة وهي أكل الذي هو انتفاع بذواتها والقصد بالأنعام إلى الإبل لأنها هي المحمول عليها في العادة وقرنها بالفلك - التي هي السفائن - لأنها سفائن البر . قال ذو الرمة : .
سفينة بر تحت خدي زمامها .
يريد صيدحه .
" ولقد أسلنا نوحا إلى قومه فقال يقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون فقال الملؤا الذين كفروا من قومه ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ولو شاء الله لأنزل ملئكة ما سمعنا بهذا فى ءابائنا الأولين إن هو إلا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين "