أي " أولئك " الجامعون لهذه الأوصاف " هم الورثون " الأحقاء بأن يسقوا وراثا دون من عداهم ثم ترجم الوارثين بقوله : " الذين يرثون الفردوس " فجاء بفخامة وجزالة لإرثهم لا تخفى على الناظر . ومعنى الإرث : ما مر في سورة مريم . أنث الفردوس على تأويل الجنة وهو : البستان الواسع الجامع لأصناف الثمر . روي أن الله D بنى جنة الفردوس لبنة من ذهب ولبنة من فضة وجعل خلالها المسك والأذفر . وفي رواية : ولبنة من مسك مذري وغرس فيها من جيد الفاكهة وجيد الريحان .
" ولقد خلقنا الإنسن من سللة من طين ثم جعلنه نطفة فى قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلفنا المضغة عظما فكسونا العظم لحما ثم أنشأنه خلقا ءاخر فتبارك الله أحسن الخلقين " .
السلالة : الخلاصة ؛ لأنها تسل من بين الكدر وفعالة بناء للقلة كالقلامة والقمامة . وعن الحسن : ماء بين ظهراني الطين . فإد قلت : ما الفرق بين من ومن ؟ قلت : الأول للابتداء والثاني للبيان كقوله : " من الأوثان " الحج : 3 . فإن قلت : ما معنى : جعلنا الإنسان نطفة . قلت : معناه أنه خلق جوهر الإنسان أولا طينا ثم جعل جوهره بعد ذلك نطفة . القرار : المستقر والمراد الرحم . وصفت بالمكانة التي هي صفة المستقر فيها كقولك : طريق سائر . أو بمكانتها في نفسهاة لأنها مكنت بحيث هي وأحرزت . قرىء : " عظما فكسونا العظم " و " عظاما فكسونا العظام " و " عظما فكسونا العظام " وضع الواحد مكان الجمع لزوال اللبس ؛ لأن الإنسان ذو عظام كثيرة " خلقا ءاخر " أي خلقا مباينا للخلق الأول مباينة ما أبعدها حيث جعله حيوانا وكان جمادا وناطقا وكان أبكم وسميعا وكان أصم وبصيرا وكان أكمه وأودع باطنه وظاهره - بل كل عضو من أعضائه وكل جزء من أجزائه - عجائب فطرة وغرائب حكمة لا تحرك بوصف الواصف ولا تبلغ بشرح الشارح : وقد احتج به أبو حنيفة فيمن غصب بيضة فأفرخت عنده قال : يضمن البيضة ولا يرد الفرخ : لأنه خلق أخر سوى البيضة " فتبارك الله " فتعالى أمره في قدرته وعلمه " أحسن الخلقين " أي : أحسن المقدرين تقديرا فترك ذكر المميز لدلالة الخالقين عليه . ونحوه : طرح المأذون فيه في قوله : " أذن للذين يقاتلون " الحج : 39 ، لدلالة الصلة . وروي عن عمر Bه : أن رسول الله A لما بلغ قوله خلقا آخر قال : " فتبارك الله أحسن الخالقين " . وروي : أن عبد الله بن سعد بن أبي سرح كان يكتب للنبي A فنطق بذلك قبل إملائه فقال : له النبي A : " اكتب هكذا نزلت " فقال : عبد الله : إن كان محمد نبيا يوحى إليه فأنا نبي يوحى إلي فلحق بمكة كافرا ثم أسلم يوم الفتح .
" ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيمة تبعثون " .
قرأ ابن أبي عبلة وابن محيصن : لمائتون . والفرق بين الميت والمائت : أن الميت كالحي صفة ثابتة . وأما المائت فيدل على الحدوث . تقول : زيد مائت الآن ومائت غدا كقولك يموت . ونحوهما : ضيق وضائق وفي قوله تعالى : " وضائق به صدرك " هود : 12 ، " لميتون " جعل الإماتة التي هي إعدام الحياة والبعث الذي هو إعادة ما يفنيه ويعدمه : دليلين أيضا على اقتدار عظيم بعد الإنشاء والاختراع . فإن قلت : فإذا لا حياة إلا حياة الإنشاء وحياة البعث . قلت : ليس في ذكر الحياتين نفي الثالثة وهي حياة القبر كما لو ذكرت ثلثي ما عندك وطويت ذكر ثلثه لم يكن دليلا على أن الثلث ليس عندك . وأيضا فالغرض ذكر هذه الأجناس الثلاثة : الإنشاء والإماتة والإعادة والمطوي ذكرها من جنس الإعادة .
" ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلقين غفلين " .
الطرائق : السموات لأنه طورق بعضها فوق بعض كمطارقة النعل وكل شيء فوقه مثله فهو طريقة : أو لأنها طرق الملائكة ومتقلباتهم : وقيل : الأفلاك ؛ لأنها طرائق الكواكب فيها مسيرها : أراد بالخلق السموات كأنه قال : خلقناها فوقهم " وما كنا " عنها " غفلين " وعن حفظها وإمساكها أن تقع فوقهم بقدرتنا : أو أراد به الناس وأنه إنما خلقها فوقهم ليفتح عليهم الأرزاق والبركات منها وينفعهم بأنواع منافعها وما كان غافلا عنهم وما يصلحهم .
" وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكنه فى الأرض وإنا على ذهاب قوم به لقدرون "