لما جمعتهم المهاجرة في سبيل الله سوى بينهم في الموعد وأن يعطى من مات منهم مثل ما يعطي من قتل تفضلا منه وإحسانا . والله عليم بدرجات العاملين ومراتب استحقاقهم " حليم " عن تفريط المفرط منهم بفضله وكرمه روي أن طوائف من أصحاب رسول الله A ورضي عنهم قالوا : يا نبي الله هؤلاء الذين قتلوا قد علمنا ما أعطاهم الله من الخير ونحن نجاهد معك كما جاهدوا فما لنا إن متنا معك . فأنزل الله هاتين الآيتين .
" ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغى عليه لينصرنه الله إن الله لعفو غفور " .
تسمية الابتداء بالجزاء لملابسته له من حيث أنه سبب وذاك مسبب عنه كما يحملون النظير على النظير والنقيض على النقيض للملابسة . فإن قلت : كيف طابق ذكر العفو الغفور هذا الموضع ؟ قلت : المعاقب مبعوث من جهة الله D على الإخلال بالعقاب والعفو عن الجاني - على طريق التنزيه لا التحريم - ومندوب إليه ومستوجب عند الله المدح إن آثر ما ندب إليه وسلك سبيل التنزيه فحين لم يؤثر ذلك وانتصر وعاقب ولم ينظر في قوله تعالى : " فمن عفا وأصلح فأجره على الله " الشورى : 40 ، " وأن تعفو أقرب للتقوى " البقرة : 237 ، " ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور " الشورى : 43 ، : " إن الله لعفو غفور " أي : لا يلومه على ترك ما بعثه عليه وهو ضامن لنصره قي كرته الثانية من إخلاله بالعفو وانتقامه من الباغي عليه . ويجوز أن يضمن له النصر على الباغي ويعرض مع ذلك بما كان أولى به من العفو ويلوح به بذكر هاتين الصفتين . أو دل بذكر العفو والمغفرة على أنه قادر على العقوبة لأنه لا يوصف بالعفو إلا القادر على ضده .
" ذلك بأن الله يولج اليل فى النهار ويولج النهار فى اليل وأن الله سميع بصير " .
" ذلك " أي ذلك النصر بسبب أنه قادر . ومن آيات قدرته البالغة أنه " يولج اليل فى النهار ويولج النهار فى اليل " أو بسبب أنه خالق الليل والنهار ومصرفهما فلا يخفى عليه ما يجري فيهما على أيدي عباده من الخير والشر والبغي والإنصاف وأنه " سميع " لما يقولون " بصير " بما يفعلون . فإن قلت : ما معنى إيلاج أحد الملوين في الآخر ؟ قلت : تحصيل ظلمة هذا في مكان ضياء ذاك بغيبوبة الشمس . وضياء ذاك في مكان ظلمة هذا بطلوعها كما يضيء السرب بالسراج ويظلم بفقده . وقيل : هو زيادته في أحدهما ما ينقص من الآخر من الساعات .
" ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو البطل وأن الله هو العلي الكبير " .
وقرىء : " تدعون " بالتاء والياء . وقرأ اليماني . وأن ما تدعون . بلفظ المبني للمفعول والواو راجعة إلى " ما " لأنه في معنى الآلهة أي : ذلك الوصف بخلق الليل والنهار والإحاطة بما يجري فيهما وإدراك كل قول وفعل بسبب أنه الله الحق الثابت إلهيته وأن كل ما يدعى إلها دونه باطل الدعوة وأنه لا شيء أعلى منه شأنا وأكبر سلطانا .
" ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة إن الله لطيف خبير له ما فى السموت وما في الأرض وإن الله لهو الغني الحميد " .
قرىء : " مخضرة " أي ذات خضر على مفعلة كمقبلة ومسبعة . فإن قلت : هلا قيل : فأصبحت ؟ ولم صرف إل لفظ المضارع ؟ قلت : لنكتة فيه وهي إفادة بقاء أثر المطر زمانا بعد زمان كما تقول : أنعم علي فلان عام كذا فأروح وأغدوا شاكرا له . ولو قلت : فرحت وغدوت ؛ ولم يقع ذلك الموقع فإن قلت : فما له رفع لم ينصب جوابا للاستفهام ؟ قلت : لو نصب لأعطى ما هو عكس الغرض لأن معناه إثبات الاخضرار فينقلب بالنصب إلى نفي الاخضرار مثاله أن تقول لصاحبك : ألم تر أني أنعمت عليك فتشكر : إن نصبته فأنت ناف لشكره شاك تفريطه فيه وإن رفعته فأنت مثبت للشكر . وهذا وأمثاله مما يجب أن يرغب له من اتسم بالعلم في علم الإعراب وتوقير أهله " لطيف " وأصل علمه أو فضله إلى كل شيء " خبير " بمصالح الخلق ومنافعهم .
" ألم تر أن الله سخر لكم ما فى الأرض والفلك تجرى فى البحر بأمره ويمسك السماء أن تقع كل الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرءوف رحيم وهو الذي أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم إن الإنسن لكفور "