أن رسول الله A لما أعرض عنه قومه وشاقوه وخالفه عشيرته ولم يشايعوه على ما جاء به : تمنى لفرط ضجره من إعراضهم ولحرصه وتهالكه على إسلامهم أن لا ينزل عليه ما ينفرهم لعله يتخذ ذلك طريقا إلى استمالتهم واستنزالهم عن غيهم وعنادهم فاستمر به ما تمناه حتى نزلت عليه سورة " والنجم " وهو في نادي قومه وذلك التمني في نفسه فأخذ يقرؤها فلما بلغ قوله : " ومناة الثالثة الأخرى " النجم : 20 : " ألقى الشيطن في أمنيته " التي تمناها أي : وسوس إليه بما شيعها به فسبق لسانه على سبيل السهو والغلط إلى أن قال : تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى . وروي : الغرانقة ولم يفطن له حتى أدركته العصمة فتنبه عليه وقيل : نبهه جبريل عليه السلام . أو تكلم الشيطان بذلك فأسمعه الناس قيل فلما سجد في آخرها سجد معه جميع من في النادي وطابت نفوسهم وكان تمكين الشيطان من ذلك محنة من الله وابتلاء زاد المنافقون به شكا وظلمة والمؤمنون نورا وإيقانا . والمعنى : أن الرسل والأنبياء من قبلك كانت هجيراهم كذلك إذا تمنوا مثل ما تمنيت مكن الله الشيطان ليلقي في أمانيهم مثل ما ألقى في أمنيتك إرادة امتحان من حولهم والله سبحانه له أن يمتحن عباده بما شاء من صنوف المحن وأنواع الفتن ليضاعف ثواب الثابتين ويزيد في عقاب المذبذبين . وقيل : " تمنى " : قرأ . وأنشد : .
تمنى كتاب الله أول ليلة ... تمني عاود الربور على رسل .
وأمنيته : قراءته . وقيل : تلك الغرانيق : إشارة إلى الملائكة أي : هم الشفعاء لا الأصنام " فينسخ الله ما يلقى الشيطن " أي يذهب به ويبطله " ثم يحكم الله ءايته " أي يثبتها .
" ليجعل ما يلقى الشيطن فتنة للذين فى قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظلمين لفى شقاق بعيد وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين ءامنوا إلى صرط مستقيم " .
والذين " فى قلوبهم مرض " المنافقون والشاكون " والقاسية قلوبهم " المشركون المكذبون " وإن الظلمين " يريد : وإن هؤلاء المنافقين والمشركين . وأصله : وإنهم فوضع الظاهر موضع الضمير قضاء عليهم بالظلم " أنه الحق من ربك " أي ليعلموا أن تمكين الشيطان من الإلقاء : هو الحق من ربك والحكمة " وإن الله لهاد الذين ءامنوا إلى " أن يتأولوا ما يتشابه في الدين بالتأويلات الصحيحة ويطلبوا لما أشكل منه المحمل الذي تقتضيه الأصول المحكمة والقوانين الممهدة حتى لا تلحقهم حيرة ولا تعريهم شبهة ولا تزل أقدامهم . وقرىء : " لهاد الذين آمنوا " بالتنوين .
" ولا يزال الذجن كفروا في مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتة أو يأتيهم عذاب يوم عقيم " .
الضمير في " مرية منه " للقرآن أو الرسول A . اليوم العقيم : يوم بدر وإنما وصف يوم الحرب بالعقيم لأن أولاد النساء يقتلون فيه فيصرن كأنهن عقم لم يلدن أو لأن المقاتلين يقال لهم أبناء الحرب فإذا قتلوا وصف يوم الحرب بالعقيم على سبيل المجاز . وقيل : هو الذي لا خير فيه يقال : ريح عقيم إذا لم تنشىء مطرا ولم تلقح شجرا . وقيل : لا مثل له في عظم أمره لقتال الملائكة عليهم السلام فيه . وعن الضحاك أنه يوم القيامة وأن المراد بالساعة مقدماته ويجوز أن يراد بالساعة وبيوم عقيم : يوم القيامة كأنه قيل : حتى تأتيهم الساعة أو يأتيهم عذابها فوضع " يوم عقيم " موضع الضمير .
" الملك يومئذ لله يحكم بينهم فالذين ءامنوا وعملوا الصلحت في جنت النعيم والذين كفروا وكذبوا بئايتنا فأولئك لهم عذاب مهين " .
فإن قلت : التنوين في " يومئذ " عن أي جملة ينوب ؟ قلت : تقديره : الملك يوم يؤمنون . أو يوم تزول مريتهم لقوله : " ولا يزال الذين كفروا في مرية حتى تأتيهم الساعة " . الحج : 55 .
" والذين هاجروا فى سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقهم الله رزقا حسنا وإن الله لهو خير الرزقين ليدخلهم مدخلا يرضونه وإن الله لعليم حليم "