وجوب الجنوب : وقوعها على الأرض ومن وجب الحائط وجبة إذا سقط . ووجبت الشمس جبة : غربت . والمعنى : فإذا وجبت جنوبها وسكنت نسائسها حل لكم الأكل منها والإطعام " القانع " السائل من قنعت إليه وكنعت : إذا خضعت له وسألته قنوعا " والمعتر " المعترض بغير سؤال أو القانع الراضي بما عنده وبما يعطى من غير سؤال من قنعت قنعا وقناعة . والمعتر : المعترض بسؤال . وقرأ الحسن : والمعتري . وعره وعراه واعتراه واعتره : بمعنى . وقرأ أبو رجاء : القنع وهو الراضي لا غير . يقال : قنع فهو قنع وقانع .
" كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون " .
من الله على عبادة واستحمد إليهم بأن سخر لهم البدن مثل التسخير الذي رأوا وعلموا ويأخذونها منقادة للأخذ طيعة فيعقلونها ويحبسونها صافة قوائمها ثم يطعنون في لبانها . ولولا تسخير الله لم تطق ولم تكن بأعجز من بعض الوحوش التي هي أصغر منها جرما وأقل قوة وكفى بما يتأبد من الإبل شاهدا وعبرة .
" لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين " .
أي : لن يصيب رضا الله اللحوم المتصدق بها ولا الدماء المهراقة بالنحر والمراد أصحاب اللحوم والدماء والمعنى : لن يرضي المضحون والمقربون ربهم إلا بمراعاة النية والإخلاص والاحتفاظ بشروط التقوى في حل ما قرب به وغير ذلك من المحافظات الشرعية وأوامر الورع . فإذا لم يراعوا ذلك لم تغن عنهم التضحية والتقريب وإن كثر ذلك منهم . وقرىء : " لن تنال الله ولكن تناله " بالتاء والياء . وقيل : كان أهل الجاهلية إذا نحروا البدن نضحوا الدماء حول البيت ولطخوه بالدم فلما حج المسلمون أرادوا مثل ذلك فنزلت .
كرر تذكير النعمة بالتسخير ثم قال : لتشكروا الله على هدايته إياكم لأعلام دينه ومناسك حجه بأن تكبروا وتهللوا فاختصر الكلام بأن ضمن التكبير معنى الشكر وعدى تعديته .
" إن الله يدفع عن الذين ءامنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور " .
خص المؤمنين بدفعه عنهم ونصرته لهم كما قال : " إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا " غافر : 51 ، وقال : " إنهم لهم المنصورون " الصافات : 172 ، وقال : " وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب " الصف : 13 ، وجعل العلة في ذلك أنه لا يحب أضدادهم : وهم الخونة الكفرة الذين يخونون الله والرسول ويخونون أماناتهم ويكفرون نعم الله ويغمطونها . ومن قرأ : " يدفع " فمعناه يبالغ في الدفع عنهم كما يبالغ من يغالب فيه ؛ لأن فعل المغالب يجيء أقوى وأبلغ .
" أذن للذين يقتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديرهم بغير حق إلا أن قالوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صومع وبيع وصلوت ومسجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكنتهم في الأرض أقاموا الصلوة وءاتوا الزكوة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور " .
" وأذن " و " يقتلون " قرئا على لفظ المبني للفاعل والمفعول جميعا : والمعنى أذن لهم في القتال فحذف المأذون فيه لدلالة يقاتلون عليه " بأنهم ظلموا " أي بسبب كونهم مظلومين وهم أصحاب رسول الله A : كان مشركو مكة يؤذونهم أذى شديدا وكانوا يأتون رسول الله A من بين مضروب ومشجوج يتظلمون إليه فيقول لهم : " اصبروا فإني لم أومر بالقتال " حتى هاجر فأنزلت هذه الآية وهي أول آية أذن فيها بالقتال بعد ما نهى عنه في نيف وسبعين آية . وقيل : نزلت في قوم خرجوا مهاجرين فاعترضهم مشركو مكة فأذن لهم في مقاتلتهم . والإخبار بكونه قادرا على نصرهم عدة منه بالنصر واردة على سنن كلام الجبابرة وما مر من دفعه عن الذين آمنوا مؤذن بمثل هذه العدة أيضا : " أن يقولوا " فبم محل الجر على الإبدال من " حق " أي بغير موجب سوى التوحيد الذي ينبغي أن يكون موجب الإقرار والتمكين لا موجب الإخراج والتسيير . ومثله : " هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله " المائدة : 59