دفع الله بعض الناس ببعض : إظهاره وتسليطه المسلمين منهم على الكافرين بالمجاهدة ولولا ذلك لاستولى المشركون على أهل الملل المختلفة في أزمنتهم وعلى متعبداتهم فهدموها ولم يتركوا للنصارى بيعا ولا لرهبانهم صوامع ولا لليهود صلوات ولا للمسلمين مساجد . أو لغلب المشركون من أمة محمد A على المسلمين وعلى أهل الكتاب الذين في ذمتهم وهدموا متعبدات الفريقين . وقرىء : " دفاع " ولهدمت : بالتخفيف . وسميت الكنيسة " صلاة " لأنه يصلى فيها . وقيل : هي كلمة معربة أصلها بالعبرانية : صلوثا " من ينصره " أي ينصر دينه وأولياءه : هو إخبار من الله D بظهر الغيب عما ستكون عليه سيرة المهاجرين Bهم إن مكنهم في الأرض وبسط لهم في الدنيا وكيف يقومون بأمر الدين . وعن عثمان Bه : هذا والله ثناء قبل بلاء . يريد : أن الله قد أثنى عليهم قبل أن يحدثوا من الخير ما أحدثوا . وقالوا : فيه دليل على صحة أمر الخلفاء الراشدين ؛ لأن الله لم يعط التمكين ونفاذ الأمر مع السيرة العادلة غيرهم من المهاجرين لاحظ في ذلك للأنصار والطلقاء . وعن الحسن : هم أمة محمد A . وقيل : " الذين " منصوب بدل من قوله من ينصره . والظاهر أنه مجرور تابع للذين أخرجوا " ولله عقبة الأمور " أي مرجعها إلى حكمه وتقديره . وفيه تأكيد لما وعده من إظهار أوليائه وإعلاء كلمتهم .
" وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبرهيم وقوم لوط وأصحب مدين وكذب موسى فأمليت للكفرين ثم أخذتهم فكيف كان نكير " .
يقول لرسوله A تسلية له : لست بأوحدي في التكذيب فقد كذب الرسل قبلك أقوامهم وكفاك بهم أسوة . فإن قلت : لم قيل : " وكذب موسى " ولم يقل : قوم موسى ؟ قلت : لأن موسى ما كذبه قومه بنو إسرائيل وإنما كذبه غير قومه وهم القبط . وفيه شيء آخر كأنه قيل بعد ما ذكر تكذيب كل قوم رسولهم : وكذب موسى أيضا مع وضوح آياته وعظم معجزاته فما ظنك بغيره .
" نكير " التنكير : بمعنى الإنكار والتغيير حيث أبدلهم بالنعمة محنة وبالحياة هلاكا وبالعمارة خرابا .
" فكأين من قرية أهلكنها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد " .
كل مرتفع أظلك من سقف بيت أو خيمة أو ظلة أو كرم فهو " عرش " والخاوي الساقط من خوى النجم إذا سقط . أو الخالي من خوى المنزل إذا خلا من أهله وخوى بطن الحامل وقوله : " على عروشها لا يخلو من أن يتعلق بخاوية فيكون المعنى أنها ساقطة على سقوفها أي خرت سقوفها على الأرض ثم تهدمت حيطانها فسقطت فوق السقوف . أو أنها ساقطة أو خالية مع بقاء عروشها وسلامتها . وإما أن يكون خبرا بعد خبر كأنه قيل : هي خالية وهي على عروشها أي قائمة مطلة على عروشها على معنى أن السقوف سقطت إلى الأرض فصارت في قرار الحيطان وبقيت الحيطان ماثلة فهي مشرفة على السقوف الساقطة . فإن قلت : ما محل الجملتين من الإعراب أعني : " وهي ظالمة فهى خاوية " ؟ قلت : الأولى في محل النصب على الحال والثانية لا محل لها لأنها معطوفة على أهلكناها وهذا الفعل ليس له محل " وبئر معطلة " وقرأ الحسن : معطلة من أعطله بمعنى عطله . ومعنى المعطلة : أنها عامرة فيها الماء ومعها آلات الاستقاء ؛ إلا أنها عطلت أي : تركت لا يستقى منها لهلاك أهلها " وقصر مشيد " والمشيد : المجصص أو المرفوع البنيان . والمعنى : كم قرية أهلكنا ؟ وكم بئر عطلنا عن سقاتها ؟ وقصر مشيد أخليناه عن ساكنيه ؟ فترك ذلك لدلالة معطلة عليه وفي هذا دليل على أن " على عروشها " بمعنى " مع " أوجه . روي : أن هذه بئر نزل عليها صالح عليه السلام مع أربعة آلاف نفر ممن آمن به . ونجاهم الله من العذاب وهبم بحضرموت . وإنما سميت بذلك لأن صالحا حين حضرها مات وثمة بلدة عند البئر اسمها " حاضوراء " بناها قوم صالح وأمروا عليهم جلهس بن جلاس وأقاموا بها زمانا ثم كفروا وعبدوا صنما وأرسل الله إليهم حنظلة بن صفوان نبيا فقتلوه فأهلكهم الله وعطل بئرهم وخرب قصورهم .
" أفلم يسيروا فى الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو ءاذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصر ولكن تعمى القلوب التي في الصدور "