وأهدى رسول الله A مائة بدنة فيها جمل لأبي جهل في أنفه بزة من ذهب . وكان ابن عمر يسوق البدن مجللة بالقباطي فيتصدق بلحومها وبجلالها ويعتقد أن طاعة الله في التقرب بها وإهدائها إلى بيته المعظم أمر عظيم لا بد أن يقام به ويسارع فيه " فإنها من تقوى القلوب " أي فإن تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب فحذنت هذه المضافات ولا يستقيم المعنى إلا بتقديرها لأنه لا بد من راجع من الجزاء إلى " من " ليرتبط به وإنما ذكرت القلوب لأنها مراكز التقوى التي إذا ثبتت فيها وتمكنت ظهر أثرها في سائر الأعضاء . " إلى أجل مسمى " إلى أن تنحر ويتصدق بلحومها ويؤكل منها . و " ثم " للتراخي في الوقت . فاستعيرت للتراخي في الأحوال . والمعنى : أن لكم في الهدايا منافع كثيرة في دنياكم ودينكم وإنما يعتد الله بالمنافع الدينية قال سبحانه : " تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة " الأنفال : 67 . وأعظم هذه المنافع وأبعدها شوطا في النفع : " محلها إلى البيت " أي وجوب نحرها . أو وقت وجوب نحرها في الحرم منتهية إلى البيت كقوله : " هديا بالغ الكعبة " المائدة : 95 ، والمراد نحرها في الحرم الذي هو في حكم البيت ؛ لأن الحرم هو حريم البيت . ومثل هذا في الاتساع قولك : بلغنا البلد وإنما شارفتموه واتصل مسيركم بحدوده . وقيل : المراد بالشعائر : المناسك كلها و " محلها إلى البيت العتيق " يأباه .
" ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعم فإلهكم إله وحد فله أسلموا وبشر المخبتين الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصبرين على ما أصابهم والمقيمى الصلوة ومما رزقنهم ينفقون " .
شرع الله لكل أمة أن ينسكوا له : أي يذبحوا لوجهه على وجه التقرب وجعل العلة في ذلك أن يذكر اسمه تقدست أسماؤه على النسائك : قرىء " منسكا " بفتح السين وكسرها وهو مصدر بمعنى النسك والمكسور يكون بمعنى الموضع " فله أسلموا " أي أخلصوا له الذكر خاصة واجعلوه لوجهه سالما أي : خالصا لا تشوبوه بإشراك .
" وبشر المخبتين " المخبتون : المتواضعون الخاشعون من الخبت وهو المطمئن من الأرض . وقيل : هم الذين لا يظلمون لهاذا ظلموا لم ينتصروا . وقرأ الحسن : " والمقيمي الصلاة " بالنصب على تقدير النون . وقرأ ابن مسعود : " والمقيمين الصلاة " على الأصل .
" والبدن جعلنها لكم من شعئر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صوآف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرنها لكم لعلكم تشكرون " .
" والبدن " جمع بدنة سميت لعظم بدنها وهي الإبل خاصة ولأن رسول الله A ألحق البقر بالإبل حين قال : " البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة " فجعل البقر في حكم الإبل صارت البدنة في الشريعة متناولة للجنسين عند أبي حنيفة وأصحابه وإلا فالبدن هي الإبل وعليه تدل الآية وقرأ الحسن : " والبدن " بضمتين كثمر في جمع ثمرة . وابن أبي إسحاق بالضمتين وتشديد النون على لفظ الوقف . وقرىء بالنصب والرفع كقوله : " والقمر قدرناه " يس : 39 ، . " من شعئر الله " أي من أعلام الشريعة التي شرعها الله . وإضافتها إلى اسمه : تعظيم لها " لكم فيها خير " كقوله : " لكم فيها منافع " ومن شأن الحاج أن يحرص على شيء فيه خير ومنافع بشهادة الله تعالى . عن بعض السلف أنه لا يملك إلا تسعة دنانير فاشترى بها بدنة فقيل له في ذلك فقال : " إني " سمعت ربي يقول : " لكم فيها خير " وعن ابن عباس : دنيا وآخرة . وعن إبراهيم : من احتاج إلى ظهرها ركب ومن احتاج إلى لبنها شرب . وذكر اسم الله : أن يقول عند النحر : الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر اللهم منك وإليك " صوآف " قائمات قد صففن أيديهن وأرجلهن . وقرىء : " صوافن " لا من صفون الفرس وهو أن يقوم على ثلاث وينصب الرابعة على طرف سنبكه ؛ لأن البدنة تعقل إحدى يديها فتقوم على ثلاث . وقرىء : " صوافي " أي : خوالص لوجه الله . وعن عمرو بن عبيد : صوافنا بالتنوين عوضا من حرف الإطلاق عند الوقف . وعن بعضهم : صواف نحو مثل العرب : أعط القوس باريها بسكون الياء .
" فإذا وجبت جنوبها "