لما حث على تعظيم حرماته وأحمد من يعظمها أتبعه الأمر باجتناب الأوثان وقول الزور ؛ لأن توحيد الله ونفي الشركاء عنه وصدق القول أعظم الحرمات وأسبقها خطوا . وجمع الشرك وقول الزور في قران واحد وذلك أن الشرك من باب الزور لأن المشرك زاعم أن الوثن تحق له العبادة فكأنه قال : فاجتنبوا عبادة الأوثان التي هي رأس الزور واجتنبوا قول الزور كله لا تقربوا شيئا منه لتماديه في القبح والسماجة . وما ظنك بشيء من قبيله عبادة الأوثان . وسمى الأوثان رجسا وكذلك الخمر والميسر والأزلام على طريق التشبيه . يعني : أنكم كما تنفرون بطباعكم عن الرجس وتجتنبونه فعليكم أن تنفروا عن هذه الأشياء مثل تلك النفرة . ونبه على هذا المعنى بقوله : " رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه " المائدة : 90 ، جعل العلة في اجتنابه أنه رجس والرجس مجتنب " من الأوثن " بيان للرجس وتمييز له كقولك : عندي عشرون من الدراهم ؛ لأن الرجس مبهم يتناول غير شيء كأنه قيل : فاجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان . والزور " من الزور " والأزورار وهو الانحراف كما أن الإفك من أفكه إذا صرفه . وقيل : " قول الزور " الحج : 35 ، قولهم : هذا حلال وهذا حرام وما أشبه ذلك من افترائهم . وقيل : شهادة الزور . عن النبي A : أنه صلى الصبح فلما سلم قام قائما واستقبل الناس بوجهه وقال : " عدلت شهادة الزور الإشراك بالله عدلت شهادة الزور الإشراك بالله عدلت شهادة الزور الإشراك بالله " وتلا هذه الآية . وقيل : الكذب والبهتان . وقيل : قول أهل الجاهلية في تلبيتهم : لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك . ويجوز في هذا التشبيه أن يكون من المركب والمفرق . فإن كان تشبيها مركبا فكأنه قال : من أشرك بالله فقد أهلك نفسه إهلاكا ليس بعده نهاية بأن صور حاله بصورة حال من خر من السماء فاختطفته الطير فتفرق مزعا في حواصلها أو عصفت به الريح حتى هوت به في بعض المطاوح البعيدة . وإن كان مفرقا فقد شبه الإيمان في علوه بالسماء والذي ترك الإيمان وأشرك بالله بالساقط من السماء والأهواء التي تتوزع أفكاره بالطير المختطفة والشيطان الذي يطوح به في وادي الضلالة بالريح التي تهوي بما عصفت به في بعض المهاوي المتلفة . وقرىء : " فتخطفه " بكسر الخاء والطاء . وبكسر التاء مع كسرهما وهي قراءة الحسن . وأصلها : تختطفه . وقرىء : " الرياح " .
" ذلك ومن يعظم شعئر الله فإنها من تقوى القلوب لكم فيها منفع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق " .
تعظيم الشعائر - وهي الهدايا لأنها من معالم الحج - : أن يختارها عظام الأجرام حسانا سماتا غالية الأثمان ويترك المكاس في شرائها فقد كانوا يغالون في ثلاث - ويكرهون المكاس فيهن - : الهدي والأضحية والرقبة . وروى ابن عمر عن أبيه Bهما : أنه أهلى نجيبة طلبت منه بثلثمائة دينار فسأل رسول الله A أن يبيعها ويشتري بثمنها بدنا فنهاه عن ذلك وقال : " بل أهدها "