أسند النفخ إلى الآمر به فيمن قرأ : ننفخ بالنون . أو لأن الملائكة المقربين وإسرافيل منهم بالمنزلة التي هم بها من رب العزة فصح لكرامتهم عليه وقربهم منه أن يسند ما يتولونه إلى ذاته تعالى . وقريء : " ينفخ " بلفظ ما لم يسم فاعله . وينفخ ويجشر بالياء المفتوحة على الغيبة والضمير لله D أو لإسرافيل عليه السلام . وأما يحشر المجرمون فلم يقرأ به إلا الحسن . وقرىء : " في الصور " بفتح الواو جمع صورة وفي الصور : قولان أحدهما : أنه بمعنى الصور وهذه القراءة تدل عليه . والثاني : أنه القرن . قيل : في الزرق قولان أحدهما : أن الزرقة أبغض شيء من ألوان العيون إلى العرب لأن الروم أعداؤهم وهم زرق العيون ولذلك قالوا في صفة العدو : أسود الكبد أصهب السبال أزرق العين . والثاني : أن المراد العمى ؛ لأن حدقة من يذهب نور بصره تزراق يتخافتون تخافتهم لما يملأ صدورهم من الرعب والهول يستقصرون مدة لبثهم في الدنيا : إما لما يعاينون من الشدائد التي تذكرهم أيام النعمة والسرور فيتأسفون عليها ويصفونها بالقصر لأن أيام السرور قصار وإما لأنها ذهبت عنهم وتقضت والذاهب وإن طالت مدته قصير بالانتهاء ومنه توقيع عبد الله بن المعتز تحت " أطال الله بقاءك " " كفى بالانتهاء قصرا " وإما لاستطالتهم الآخرة وأنها أبد سرمد يستقصر إليها عمر الدنيا ويقال لبث أهلها فيها بالقياس إلى لبثهم في الاخرة . وقد استرجح الله قول من يكون أشد تقاولا منهم في قوله تعالى : " إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما " ونحوه قوله تعالى : " قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فسأل العادين " المؤمنون : 112 - 113 ، وقيل : المراد لبثهم في القبور . ويعضده قوله D : " ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون " الروم : 55 " وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث " الروم : 56 .
" ويسئلونك عن الجبال فقل ينسفها ربى نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا " .
" ينسفها " يجعلها كالرمل ثم يرسل عليها الرياح فتفرقها كما يذرى الطعام " فيذرها " أي فيذر مقارها ومراكزها . أو يجعل الضمير للأرض وإن لم يجر لها ذكر كقوله تعالى : " ما ترك على ظهرها من دابة " فاطر : 45 . فإن قلت : قد فرقوا بين العوج والعوج فقالوا : العوج بالكسر في المعاني . والعوج بالفتح في الأعيان والأرض عين فكيف صح فيها المكسور العين ؟ قلت : اختيار هذا اللفظ له موقع حسن بديع في وصف الأرض بالاستواء والملاسة ونفي الاعوجاج عنها على أبلغ ما يكون وذلك أنك لو عمدت إلى قطعة أرض فسويتها وبالغت في التسوية على عينك وعيون البصراء من الفلاحة واتفقتم على أنه لم يبق فيها اعوجاج قط ثم استطلعت رأي المهندس فيها وأمرته أن يعرض استواءها على المقاييس الهندسية لعثر فيها على عوج في غير موضع لا يدرك ذلك بحاسة البصر ولكن بالقياس الهندسي فنفى الله عز وعلا ذلك العوج الذي دق ولطف عن الادراك اللهم إلا بالقياس الذي يعرفه صاحب التقدير والهندسة وذلك الاعوجاج لما لم يدرك إلا بالقياس دون الإحساس لحق بالمعاني فقيل فيه : عوج بالكسر . الأمت : النتو اليسير يقال : مد حبله حتى ما فيه أمت .
" يومئذ يتبعون الداعى لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا يومئذ لا تنفع الشفعة إلا من أذن له الرحمن ورضى له قولا "