أضاف اليوم إلى وقت نسف الجبال في قوله : " يومئذ " أي يوم إذ نسفت ويجوز أن يكون بدلا بعد بدل من يوم القيامة . والمراد : الداعي إلى المحشر . قالوا : هو إسرافيل قائما على صخرة بيت المقدس يدعو الناس فيقبلون من كل أوب إلى صوبه لا يعدلون " لاعوج له " أي لا يعوج له مدعو بل يستوون إليه من غير انحراف متبعين لصوته . أي : خفضت الأصوات من شدة الفزع وخفتت " فلا تسمع إلا همسا " وهو الركز الخفي . ومنه الحروف المهموسة . وقيل : هو من همس الإبل وهو صوت أخفافها إذا مشت أي : لا يسمع إلا خفق الأقدام ونقلها إلى المحشر " من " يصلح أن يكون مرفوعا ومنصوبا فالرفع على البدل من الشفاعة بتقدير حذف المضاف أي : لا تنفع الشفاعة إلا شفاعة من " أذن له الرحمن " والنصب على المفعولية . ومعنى أذن له " ورضى له " لأجله . أي : أذن للشافع ورضي قوله لأجله . ونحو هذه اللام اللام في قوله تعالى : " وقال الذين كفروا للذين امنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه " الأحقاف : 11 .
" يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما " أي يعلم ما تقدمهم من الأحوال وما يستقبلونه ولا يحيطون بمعلوماته علما .
" وعنت الوجوه للحى القيوم وقد خاب من حمل ظلما " المراد بالوجوه وجوه العصاة وأنهم إذا عاينوا - يوم القيامة - الخيبة والشقوة وسوء الحساب صارت وجوههم عانية أي ذليلة خاشعة مثل وجوه العناة وهم الأسارى . ونحوه قوله تعالى : " فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا " الملك : 27 ، " ووجوه يومئذ باسرة " القيامة : 24 . وقوله تعالى : " وقد خاب " وما بعده اعتراض كقولك : خابوا وخسروا . وكل من ظلم فهو خائب خاسر .
" ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما " الظلم : أن يأخذ من صاحبه فوق حقه . والهضم : أن يكسر من حق أخيه فلا يوفيه له كصفة المطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون ويسترجحون . وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون . أي : فلا يخاف جزاء ظلم ولا هضم لأنه لم يظلم ولم يهضم . وقرىء : " فلا يخف " على النهي .
" وكذلك أنزلنه قرءانا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا " " وكذلك " عطف على كذلك نقص أي : ومثل ذلك الإنزال وكما أنزلنا عليك هؤلاء الآيات المضمنة للوعيد أنزلنا القرآن كله على هذه الوتيرة . مكررين فيه آيات الوعيد ليكونوا بحيث يراد منهم ترك المعاصي أو فعل الخير والطاعة . والذكر - كما ذكرنا - يطلق على الطاعة والعبادة . وقرىء نحدث وتحدث بالنون والتاء أي : تحدث أنت . وسكن بعضهم الثاء للتخفيف كما في : .
فاليوم أشرب غير مستحقب ... إثما من الله ولا واغل .
" فتعلى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرءان من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل ربي زدنى علما " .
" فتعلى الله الملك الحق " استعظام له ولما يصرف عليه عباده من أوامره ونواهيه ووعده ووعيده والإدارة بين ثوابه وعقابه على حسب أعمالهم وغير ذلك مما يجري عليه أمر ملكوته ولما ذكر القرآن وإنزاله قال على سبيل الاستطراد : وإذا لقنك جبريل ما يوحى إليك من القرآن فتأن عليه ريثما يسمعك ويفهمك . ثم أقبل عليه بالتحفظ بعد ذلك . ولا تكن قراءتك مساوقة لقراءته . ونحوه قوله تعالى : " لا تحرك به لسانك لتعجل به " القيامة : 16 . وقيل معناه : لا تبلغ ما كان منه مجملا حتى يأتيك البيان . وقرىء : حتى تقضى إليك وحيه . وقوله تعالى : " رب زدنى علما " متضمن للتواضع لله تعالى والشكر له عندما علم من ترتيب التعلم أي علمتني يا رب لطيفة في باب التعلم وأدبا جميلا ما كان عندي . فزدني علما إلى علم فإن لك في كل شيء حكمة وعلما . وقيل : ما أمر الله رسوله A بطلب الزيادة في شيء إلا في العلم .
" ولقد عهدنا إلى ءادم من قبل فنسى ولم نجد له عزما "