قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " أوحى الله إلى إبراهيم عليه السلام : إنك خليلي حسن خلقك ولو مع الكفار تدخل مداخل الأبرار فإن كلمتي سبقت لمن حسن خلقه : أظله تحت عرشي وأسكنه حظيرة القدس وأدنيه من جواري " وذلك أنه طلب منه أولا العلة في خطئه طلب منبه على تماديه موقظ لإفراطه وتناهيه لأن المعبود لو كان حيا مميزا سميعا بصيرا مقتدرا على الثواب والعقاب نافعا ضارا إلا أنه بعض الخلق : لاستخف عقل من أهله للعبادة ووصفه بالربوبية ولسجل عليه بالغي المبين والظلم العظيم وإن كان أشرف الخلق وأعلاهم منزلة كالملائكة والنبيين قال الله تعالى : " ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون " آل عمران : 80 ، وذلك أن العبادة هي غاية التعظيم فلا تحق إلا لمن له غاية الإنعام : وهو الخالق الرازق المحي المميت المثيب المعاقب الذي منه أصول النعم وفروعها . فإذا وجهت إلى غيره - وتعالى علوا كبيرا أن تكون هذه الصفة لغيره - لم يكن إلا ظلما وعتوا وغيا وكفرا وجحودا وخروجا عن الصحيح النير إلى الفاسد المظلم فما ظنك بمن وجه عبادته إلى جماد ليس به حس ولا شعور ؟ فلا يسمع - يا عابده - ذكرك له وثناءك عليه ولا يرى هيئات خضوعك وخشوعك له . فضلا أن يغني عنك بأن تستدفعه بلاء فيدفعه أو تسنح لك حاجة فيكفيكها . ثم ثنى بدعوته إلى الحق مترفقا به متلطفا فلم يسم أباه بالجهل المفرط ولا نفسه بالعلم الفائق ولكنه قال : إن معي طائفة من العلم وشيثا منه ليس معك وذلك علم الدلالة على الطريق السوي فلا تستنكف وهب أني وإياك في مسير وعندي معرفة بالهداية دونك فاتبعني أنجك من أن تضل وتتيه . ثم ثلث بتثبيطه ونهيه عما كان عليه : بأن الشيطان - الذي استعصى على ربك الرحمن الذي جميع ما عندك من النعم من عنده وهو عدوك الذي لا يريد بك إلا كل هلاك وخزي ونكال وعدو أبيك ادم وأبناء جنسك كلهم - هو الذي ورطك في هذه الضلالة وأمرك بها وزينها لك فأنت إن حققت النظر عابد الشيطان إلا أن إبراهيم عليه السلام لإمعانه في الإخلاص ولارتقاء همته في الربانية لم يذكر من جنايتي الشيطان إلا التي تختص منهما برب العزة من عصيانه واستكباره ولم يلتفت إلى ذكر معاداته لآدم وذريته كأن النظر في عظم ما ارتكب من ذلك غمر فكره وأطبق على ذهنه . ثم ربع بتخويفه سوء العاقبة وبما يجره ما هو فيه من التبعة والوبال ولم يخل ذلك من حسن الأدب حيث لم يصرح بأن العقاب لاحق له وأن العذاب لاصق به ولكنه قال : أخاف أن يمسك عذاب فذكر الخوف والمس ونكر العذاب وجعل ولاية الشيطان ودخوله في جملة أشياعه وأوليائه كبر من العذاب وذلك أن رضوان الله أكبر من الثواب نفسه وسماه الله تعالى المشهود له بالفوز العظيم حيث قال : " ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم " التوبة : 72 ، فكذلك ولآية الشيطان التي هي معارضة رضوان الله أكبر من العذاب نفسه وأعظم وصدر كل نصيحة من النصائح الأربع بقوله : " يأبت " توسلا إليه واستعطافا ف " ما " في " ما لا يسمع " و " ما لم يأتك " يجوز أن تكون موصولة وموصوفة والمفعول في " لا يسمع ولا يبصر " منسي غير منوي كقولك : ليس به استماع ولا إبصار " شيئا " يحتمل وجهين أحدهما : أن يكون في موضع المصدر أي : شيئا من الغناء ويجوز أن يقدر نحوه مع الفعلين السابقين . والثاني : أن يكون مفعولا به من قولهم : أغن عني وجهك " إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك " فيه تجدد العلم عنده .
" قال أراغب أنت عن ءالهتى يإبرهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا "