قرأ عاصم وابن عامر " قول الحق " بالنصب . وعن ابن مسعود " قال الحق " وقال الله . وعن الحسن : " قول الحق " بضم القاف وكذلك في الأنعام " قوله الحق " الأنعام : 73 ، والقول والقال والقول بمعنى واحد كالرهب والرهب والرهب . وارتفاعه على أنه خبر بعد خبر أو بدل أو خبر مبتدأ محذوف . وأما انتصابه فعلى المدح إن فسر بكلمة الله وعلى أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة إن أريد قول الثبات والصدق كقولك : هو عبد الله حقا . والحق لا الباطل وإنما قيل لعيسى " كلمة الله " و " قول الحق " لأنه لم يولد إلا بكلمة الله وحدها وهي قوله : " كن " من غير واسطة أب تسمية للمسبب باسم السبب كما سمى العشب بالسماء والشحم بالندى . ويحتمل إذا أريد بقول الحق عيسى أن يكون الحق اسم الله D وأن يكون بمعنى الثبات والصدق ويعضده قوله : " الذي فيه يمترون " أي أمره حق يقين وهم فيه شاكون " يمترون " يشكون . والمرية : الشك . أو يتمارون : يتلاحون قالت اليهود : ساحر كذاب وقالت النصارى : ابن الله وثالث ثلاثة . وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه : " تمترون " على الخطاب . وعن أبي بن كعب : " قول الحق الذي كان الناس فيه يمترون " .
" ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحنه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون " .
كذب النصارى وبكتهم بالدلالة على انتفاء الولد عنه وأنه مما لا يتأتى ولا يتصور في العقول وليس بمقدور عليه إذ من المحال غير المستقيم أن تكون ذاته كذات من ينشأ منه الولد ثم بين إحالة ذلك بأن من إذا أراد شيئا من الأجناس كلها أوجده ب " كن " كان منزها من شبه الحيوان الوالد . والقول ههنا مجاز ومعناه : أن إرادته للشيء يتبعها كونه لا محالة من غير توقف فشبه ذلك بأمر الآمر المطاع إذا ورد على المأمور الممتثل .
" وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صرط مستقيم " .
قرأ المدنيون وأبو عمرو بفتح إن ومعناه : ولأنه ربي وربكم فاعبدوه كقوله : " وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا " الجن : 18 ، والأستار وأبو عبيد بالكسر على الابتداء . وفي حرف أبي " إن الله " بالكسر بغير واو و " بأن الله " أي : بسبب ذلك ما عبدوه .
" فاختلفت الأخزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم " .
" الأحزاب " اليهود والنصارى عن الكلبي . وقيل النصارى لتحزبهم ثلاث فرق : نسطورية ويعقوبية وملكانية . وعن الحسن : الذين تحزبوا على الأنبياء لما قص عليهم قصة عيسى اختلفوا فيه من بين الناس " من مشهد يوم عظيم " أي من شهودهم هول الحساب والجزاء في يوم القيامة أو من مكان الشهود فيه وهو الموقف . أو من وقت الشهود أو من شهادة ذلك اليوم عليهم وأن تشهد عليهم الملائكة والأنبياء وألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بالكفر وسوء الأعمال . أو من مكان الشهادة أو وقتها . وقيل : هو ما قالوه وشهدوا به في عيسى وأمه .
" أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظلمون فى ضلل مبين وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضى الأمر وهم فى غفلة وهم لا يؤمنون إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون " .
لا يوصف الله تعالى بالتعجب وإنما المراد أن إسماعهم وإبصارهم يومئذ جدير بأن يتعجب منهما بعد ما كانوا صما وعميا في الدنيا . وقيل : معناه التهديد بما سيسمعون ويبصرون مما يسوءهم ويصدع قلوبهم أوقع الظاهر أعني الظالمين موقع الضمير : إشعارا بأن لا ظلم أشد من ظلمهم حيث أغفلوا الاستماع والنظر حين يجدي عليهم ويسعدهم . والمراد بالضلال المبين : إغفال النظر والاستماع " قضى الأمر " فرغ من الحساب وتصادر الفريقان إلى الجنة والنار . وعن النبي A أنه سئل عنه - أي عن قضاء الأمر - فقال : " حين يذبح الكبش والفريقان ينظران " وإذ بدل من يوم الحسرة . أو منصوب بالحسرة " وهم فى غفلة " متعلق بقوله في ضلال مبين عن الحسن . وأنذرهم : اعتراض . أو هو متعلق بأنذرهم أي : وأنذرهم على هذه الحال غافلين غير مؤمنين يحتمل أنه يميتهم ويخرب ديارهم وأنه يفني أجسادهم ويفني الأرض ويذهب بها