وذلك لأن الفعل الأول لما سقط لأجل المفسر برز الكلام في صورة المبتدأ والخبر . ورحمة الله : رزقه وسائر نعمه على خلقه ولقد بلغ هذا الوصف بالشح الغاية التي لا يبلغها الوهم . وقيل : هو لأهل مكة الذين اقترحوا ما اقترحوا من الينبوع والأنهار وغيرها وأنهم لو ملكوا خزائن الأرزاق لبخلوا بها " قتورا " ضيقا بخيلا . فإن قلت : هل يقدر " لأمسكتم " مفعول ؟ قلت : لا لأن معناه : لبخلتم من قولك للبخيل ممسك .
" ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فسأل بني إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا " .
عن ابن عباس Bهما : هي العصا واليد والجراد والقمل والضفادع والدم والحجر والبحر والطور الذي نتقه على بني إسرائيل . وعن الحسن : الطوفان والسنون ونقص الثمرات : مكان الحجر والبحر والطور . وعن عمر بن عبد العزيز أن سأل محمد بن كعب فذكر اللسان والطمس فقال له عمر : كيف يكون الفقيه إلا هكذا أخرج يا غلام ذلك الجراب فأخرجه فنفضه فإذا بيض مكسور بنصفين وجوز مكسور وفوم وحمص وعدس كلها حجارة . وعن صفوان بن عسال : أن بعض اليهود سأل النبي A عن ذلك فقال : أوحى الله إلى موسى : أن قل لبني إسرائيل : لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حزم الله إلا بالحق ولا تسحروا ولا تأكلوا الربا ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله ولا تقذفوا محصنة ولا تفروا من الزحف وأنتم يا يهود خاصة لا تعدوا في السبت : " فسأل بني إسرائيل " فقلنا له : سل بني إسرائيل أي : سلهم من فرعون وقل له : أرسل معي بني إسرائيل . أو سلهم عن إيمانهم وعن حال دينهم . أو سلهم أن يعاضدوك وتكون قلوبهم وأيديهم معك . وتدل عليه قراءة رسول الله A : فسال بني إسرائيل على لفظ الماضي بغير همز وهي لغة قريش وقيل : فسل يا رسول الله المؤمنين من بني إسرائيل وهم عبد الله بن صلام وأصحابه عن الآيات ليزدادوا يقينا وطمأنينة قلب لأن الأدلة إذا تظاهرت كان ذلك أقوى وأثبت كقول إبراهيم " ولكن ليطمئن قلبي " . فإن قلت : بم تعلق " إذ جاءهم " ؟ قلت : أما على الوجه الأول فبالقول المحذوف أي فقلنا لهم سلهم حين جاءهم أو باسأل في القراءة الثانية . وأما على الأخير فبآتينا . أو بإضمار اذكر أو يخبروك . ومعنى " إذ جاءهم " إذ جاء آباءهم " مسحورا " سحرت فخولط عقلك .
" قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا فأراد أن يستفزهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعا وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا " .
" لقد علمت " يا فرعون " ما أنزل هؤلاء " الآيات إلا الله D " بصائر " بينات مكشوفات ولكنك معاند مكابر : ونحوه : " وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا " النمل : 14 ، وقرئ علمت بالضم على معنى : إني لست بمسحور كما وصفتني بل أنا عالم بصحة الأمر . وأن هذه الآيات منزلها رب السموات والأرض . ثم قارع ظنه بظنه كأنه قال : إن ظننتني مسحورا فأنا أظنك " مثبورا " هالكا وظني أصح من ظنك ؟ لأن له أمارة ظاهرة وهي إنكارك ما عرفت صحته ومكابرتك لآيات الله بعد وضوحها . وأما ظنك فكذب بحت لأن قولك مع علمك بصحة أمري إني لأظنك مسحورا قول كذاب . وقال الفراء : مثبورا مصروفا عن الخير مطبوعا على قلبك من قولهم : ما ثبرك عن هذا ؟ أي : ما منعك وصرفك ؟ وقرأ أبي بن كعب وإن أخالك يا فرعون لمثبورا على إن المخففة واللام الفارقة " فأراد " فرعون أن يستخف موسى وقومه من أرض مصر ويخرجهم منها أو ينفيهم عن ظهر الأرض بالقتل والاستئصال فحاق به مكره بأن استفزه الله بإغراقه مع قبطه " اسكنوا الأرض " التي أراد فرعون أن يستفزكم منها " فإذا جاء وعد الآخرة " يعني قيام الساعة " جئنا بكم لفيفا " جمعا مختلطين إياكم وإياهم ثم يحكم بينكم ويميز بين سعدائكم وأشقيائكم : واللفيف : الجماعات من قبائل شتى .
" وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا "