أن الأولى نصب مفعول ثان لمنع . والثانية رفع فاعل له . و " الهدى " الوحي . أي : وما منعهم الإيمان بالقرآن وبنبوة محمد A إلا شبهة تلجلجت في صدورهم وهي إنكارهم أن يرسل الله البشر . والهمزة في " أبعث الله " للإنكار وما أنكروه فخلافه هو المنكر عند الله لأن قضية حكمته أن لا يرسل ملك الوحي إلا إلى أمثاله أو إلى الأنبياء ثم قرر ذلك بأنه " لو كان في الأرض ملائكة يمشون " على أقدامهم كما يمشي الإنس ولا يطيرون بأجنحتهم إلى السماء فيسمعوا من أهلها ويعلموا ما يجب علمه " مطمئنين " ساكنين في الأرض قارين " لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا " يعلمهم الخير ويهديهم المراشد . فأما الإنس فما هم بهذه المثابة إنما يرسل الملك إلى مختار منهم للنبوة فيقوم ذلك المختار بدعوتهم وإرشادهم . فإن قلت : هل يجوز أن يكون بشرا وملكا منصوبين على الحال من رسولا ؟ قلت : وجه حسن والمعنى له أجوب .
" قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم إنه كان بعباده خبيرا بصيرا " .
" شهيدا بيني وبينكم " على أني بلغت ما أرسلت به إليكم وأنكم كذبتم وعاندتم " إنه كان بعباده " المنذرين والمنذرين " خبيرا " عالما بأحوالهم فهو مجازيهم . وهذه تسلية لرسول الله A ووعيد للكفرة . وشهيدا : تمييز أو حال .
" من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا وقالوا أإذا كنا عظاما ورفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا " .
" ومن يهد الله " ومن يوفقه ويلطف به " فهو المهتد " لأنه لا يلطف إلا بمن عرف أن اللطف ينفع فيه " ومن يضلل " ومن يخذل " فلن تجد لهم أولياء " أنصارا " على وجوههم " كقوله : " يوم يسحبون في النار على وجوههم " القمر : 48 .
وقيل لرسول الله A : كيف يمشون على وجوههم قال : " إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم " " عميا وبكما وصما " كما كانوا في الدنيا لا يستبصرون ولا ينطقون بالحق ويتصامون عن استماعه مهم في الآخرة كذلك : لا يبصرون ما يقر أعينهم ولا يسمعون ما يلذ مسامعهم ولا ينطقون بما يقبل منهم . ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى . ويجوز أن يحشروا مؤقي الحواس من الموقف إلى النار بعد الحساب فقد أخبر عنهم في موضع آخر أنهم يقرؤن ويتكلمون " كلما خبت " كما أكلت جلودهم ولحومهم وأفنتها فسكن لهبها بدلوا غيرها فرجعت ملتهبة مستعرة كأنهم لما كذبوا بالإعادة بعد الإفناء جعل الله جزاءهم أن سلط النار على أجزائهم تأكلها وتفنيها ثم يعيدها ولا يزالون على الإفناء والإعادة ليزيد ذلك في تحسرهم على تكذيبهم البعث ولأنه أدخل في الانتقام من الجاحد وقد دل على ذلك بقوله " ذلك جزاؤهم " إلى قوله " أإنا لمبعوثون خلقا جديدا " .
" أولم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلا لا ريب فيه فأبى الظالمون إلا كفورا " .
فإن قلت : علام عطف قوله " وجعل لهم أجلا " ؟ قلت : على قوله " أولم يروا " لأن المعنى قد علموا بدليل العقل أن من قدر على خلق السموات والأرض فهو قادر على خلق أمثالهم من الإنس لأنهم ليسوا بأشد خلقا منهن كما قال : لأنتم أشد خلقا أم السماء " وجعل لهم أجلا لا ريب فيه " وهو الموت أو القيامة فأبوا مع وضوح الدليل إلا جحودا .
" قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا " .
" لو " حقها أن تدخل على الأفعال دون الأسماء فلا بد من فعل بعدها في " لو أنتم تملكون " وتقديره لو تملكون تملكون فأضمر تملك إضمارا على شريطة التفسير وأبدل من الضمير المتصل الذي هو الواو ضمير منفصل وهو أنتم لسقوط ما يتصل به في اللفظ فأنتم : فاعل الفعل المضمر وتملكون : تفسيره وهذا هو الوجه الذي يقتضيه عله الإعراب . فأما ما يقتضيه علم البيان فهو : أن أنتم تملكون فيه دلالة على الاختصاص وأن الناس هم المختصون بالشح المتبالغ ونحوه قول حاتم : .
لو ذات سوار لطمتني .
وقول المتلمس : .
ولو غير أخوالي أرادوا نقيصتي