" قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا أولئك الذين يدعون ويبغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا " .
" قل ادعوا الذين زعمتم من دونه " هم الملائكة وقيل : عيسى ابن مريم وعزير وقيل نفر من الجن عبدهم ناس من العرب ثم أسلم الجن ولم يشعروا أي : ادعوهم فهم لا يستطيعون أن يكشفوا عنكم الضر من مرض أو فقر أو عذاب ولا أن يحولوه من واحد إلى آخر أو يبدلوه . و " أولئك " مبتدأ و " الذين يدعون " صفته و " يبتغون " خبره يعني : أن آلهتهم أولئك يبتغون الوسيلة وهي القربة إلى الله تعالى . و " إنهم " بدل من واو يبتغون وأي موصولة أي : يبتغي من هو أقرب منهم وأزلف الوسيلة إلى الله فكيف بغير الأقرب . أو ضمن يبتغون الوسيلة معنى يحرصون فكأنه قيل : يحرصون أيهم يكون أقرب إلى الله وذلك بالطاعة وازدياد الخير والصلاح ويرجون ويخافون كما غيرهم من عباد الله فكيف يزعمون أنهم آلهة ؟ " إن عذاب ربك كان " حقيقا بأن يحذره كل أحد من ملك مقرب ونبي مرسل فضلا عن غيرهم .
" وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب المسطور " .
" نحن مهلكوها " بالموت والاستئصال " أو معذبوها " بالقتل وأنواع العذاب . وقيل : الهلاك للصالحة والعذاب للطالحة . وعن مقاتل : وجدت في كتب الضحاك بن مزاحم في تفسيرها : أما مكة فيخربها الحبشة وتهلك المدينة بالجوع والبصرة بالغرق والكوفة بالترك والجبال بالصواعق والرواجف . وأما خراسان فعذابها ضروب ثم ذكرها بلدا بلدا " في الكتاب " في اللوح المحفوظ .
" وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بآيات إلا تخويفا " .
استعير المنع لترك إرسال الآيات من أجل صارف الحكمة . وأن الأولى منصوبة والثانية مرفوعة تقديره : وما منعنا إرسال الآيات إلا تكذيب الأولين . والمراد : الآيات التي اقترحتها قريش من قلب الصفا ذهبا ومن إحياء الموتى وغير ذلك : وعادة الله في الأمم أن من اقترح منهم آية فأجيب إليها ثم لم يؤمن أن يعاجل بعذاب الاستئصال فالمعنى : وما صرفنا عن إرسال ما يقترحونه من الآيات إلا أن كذب بها الذين هم أمثالهم من المطبوع على قلوبهم كعاد وثمود وأنها لو أرسلت لكذبوا بها تكذيب أولئك وقالوا هذا سحر مبين كما يقولون في غيرها واستوجبوا العذاب المستأصل وقد عزمنا أن نؤخر أمر من بعثت إليهم إلى يوم القيامة ثم ذكر من تلك الآيات التي اقترحها الأولون ثم كذبوا بها لما أرسلت فأهلكوا واحدة : وهي ناقة صالح لأن آثار هلاكهم في بلاد العرب قريبة من حدودهم يبصرها صادرهم وواردهم " مبصرة " بينة . وقرئ مبصرة بفتح الميم " فظلموا بها " فكفروا بها " وما نرسل بالآيات " أراد بها الآيات المقترحة فالمعنى لا نرسلها " إلا تخويفا " من نزول العذاب العاجل كالطليعة والمقدمة له فان لم يخافوا وقع عليهم وإن أراد غيرها فالمعنى : وما نرسل ما نرسل من الآيات كآيات القرآن وغيرها إلا تخويفا وإنذارا بعذاب الآخرة .
" وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا " .
" وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس " واذكر إذ أوحينا إليك أن ربك أحاط بقريش يعني : بشرناك بوقعة بدر وبالنصرة عليهم . وذلك قوله " سيهزم الجمع ويولون الدبر " القمر : 45 ، " قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون " آل عمران : 12 ، وغير ذلك نجعله كأن قد كان ووجد فقال : أحاط بالناس على عادته في إخباره .
وحين تزاحف الفريقان يوم بدر والنبي A في العريش مع أبي بكر Bه كان يدعو ويقول : اللهم إني أسألك عهدك ووعدك ثم خرج وعليه الدرع يحرض الناس ويقول : سيهزم الجمع ويولون الدبر ولعل الله تعالى أراه مصارعهم في منامه