فقد كان يقول حين ورد ماء بدر والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم وهو يوميء إلى الأرض ويقول : هذا مصرع فلان هذا مصرع فلان فتسامعت قريش بما أوحي إلى رسول الله A من أمر يوم بدر وما أري في منامه من مصارعهم فكانوا يضحكون ويستسخرون ويستعجلون به استهزاء وحين سمعوا بقوله : " إن شجرة الزقوم طعام الأثيم " الدخان : 43 ، جعلوها سخرية وقالوا : إن محمدا يزعم أن الجحيم تحرق الحجارة ثم يقول ينبت فيها الشجر . وما قدر الله حق قدره من قال ذلك وما أنكروا أن يجعل الله الشجرة من جنس لا تأكله النار ! .
فهذا وبر السمندل وهو دويبة ببلاد الترك تتخذ منه مناديل إذا اتسخت طرحت في النار فذهب الوسخ وبقي المنديل سالما لا تعمل فيه النار . وترى النعامة تبتلع الجمر وقطع الحديد الحمر كالجمر بإحماء النار فلا تضرها ثم أقرب من ذلك أنه خلق في كل شجرة نارا فلا تحرقها فما أنكروا أن يخلق في النار شجرة لا تحرقها . والمعنى : أن الآيات إنما يرسل بها تخويفا للعباد وهؤلاء قد خوفوا بعذاب الدنيا وهو القتل يوم بدر . فما كان ما " أريناك " منه في منامك بعد الوحي إليك " إلا فتنة " لهم حيث اتخذوه سخريا وخوفوا بعذاب الآخرة وشجرة الزقوم فما أثر فيهم ثم قال فيهم " ونخوفهم " أي نخوفهم بمخاوف الدنيا والآخرة " فما يزيدهم " التخويف " إلا طغيانا كبيرا " . فكيف يخاف قوم هذه حالهم بإرسال ما يقترحون من الآيات . وقيل : الرؤيا هي الإسراء وبه تعلق من يقول : كان الإسراء في المنام ومن قال : كان في اليقظة فسر الرؤيا بالرؤية . وقيل : إنما سماها رؤيا على قول المكذبين حيث قالوا له : لعلها رؤيا رأيتها وخيال خيل إليك استبعادا منهم كما سمى أشياء بأساميها عند الكفرة نحو قوله : " فراغ إلى آلهتهم " الصافات : 91 ، " أين شركائي " النحل : 27 ، " ذق إنك أنت العزيز الكريم " الدخان : 49 ، وقيل : هي رؤياه أنه سيدخل مكة . وقيل : رأى في المنام أن ولد الحكم يتداولون منبره كما يتداول الصبيان الكرة . فإن قلت : أين لعنت شجرة الزقوم في القرآن ؟ قلت : لعنت حيث لعن طاعموها من الكفرة والظلمة لأن الشجرة لا ذنب لها حتى تلعن على الحقيقة وإنما وصفت بلعن أصحابها على المجاز . وقيل : وصفها الله باللعن لأن اللعن الإبعاد من الرحمة وهي في أصل الجحيم في أبعد مكان من الرحمة وقيل تقول العرب لكل طعام مكروه ضار : ملعون وسألت بعضهم فقال : نعم الطعام الملعون القشب الممحوق . وعن ابن عباس : هي الكشوث التي تتلوى بالشجر يجعل في الشراب . أو قيل : هي الشيطان وقيل : أبو جهل . وقرئ والشجرة الملعونة بالرفع على أنها مبتدأ محذوف الخبر كأنه قيل : والشجرة الملعونة في القرآن كذلك .
" وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجالك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا إن عبادي ليس عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا "