لما قالوا : أئذا كنا عظاما قيل لهم " كونوا حجارة أو حديدا " فرد قوله : كونوا على قولهم : كنا كأنه قيل : كونوا حجارة أو حديدا ولا تكونوا عظاما فإنه يقدر على إحيائكم والمعنى : أنكم تستبعدون أن يجدد الله خلقكم ويرده إلى حال الحياة وإلى رطوبة الحي وغضاضته بعدما كنتم عظاما يابسة مع أن العظام بعض أجزاء الحي بل هي عمود خلقه الذي يبني عليه سائره فليس ببدع أن يردها الله بقدرته إلى حالتها الأولى ولكن لو كنتم أبعد شيء من الحياة ورطوبة الحي ومن جنس ما ركب منه البشر وهو أن تكونوا حجارة يابسة أو حديدا مع أن طباعها الجسارة والصلابة لكان قادرا على أن يردكم إلى حال الحياة " أو خلقا مما يكبر في صدوركم " يعني أو خلقا مما يكبر عندكم عن قبول الحياة وبعظم في زعمكم على الخالق إحياؤه فإنه يحييه . وقيل : ما يكبر في صدورهم الموت . وقيل : السموات والأرض " فسيغضون " فسيحركونها نحوك تعجبا واستهزاء .
" يوم يدعوكم فتستجيبوا بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا " .
والدعاء والاستجابة كلاهما مجاز . والمعنى : يوم يبعثكم فتنبعثون مطاوعين منقادين لا تمتنعون . وقوله " بحمده " حال منهم أي حامدين وهي مبالغة في انقيادهم للبعث كقولك لمن تأمره بركوب ما يشق عليه فيتأبى ويتمنع ستركبه وأنت حامد شاكر يعني : أنك تحمل عليه وتقسر قسرا حتى أنك تلين لين المسمح الراغب فيه الحامد عليه وعن سعيد بن جبير : ينفضون التراب عن رؤوسهم ويقولون : سبحانك اللهم وبحمدك " وتظنون " وترون الهول فعنده تستقصرون مدة لبثكم في الدنيا وتحسبونها يوما أو بعض يوم . وعن قتادة : تحاقرت الدنيا في أنفسهم حين عاينوا الآخرة .
" قل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم وما أرسلناك عليهم وكيلا " .
" قل لعبادي " وقل للمؤمنين " يقولوا " للمشركين الكلمة التي " هي أحسن " وألين ولا يخاشنوهم كقوله : وجادلهم بالتي هي أحسن . وفسر التي هي أحسن بقوله " ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم " يعني يقولوا لهم هذه الكلمة ونحوها ولا يقولوا لهم : إنكم من أهل النار وإنكم معذبون وما أشبه ذلك مما يغيظهم ويهيجهم على الشر . وقوله " إن الشيطان ينزغ بينهم " اعتراض يعني يلقي بينهم الفساد ويغري بعضهم على بعض ليقع بينهم المشارة والمشاقة " وما أرسلناك عليهم وكيلا " أي ربا موكولا إليك أمرهم تقسرهم على الإسلام وتجبرهم عليه وإنما أرسلناك بشيرا ونذيرا فدارهم ومر أصحابك بالمداراة والاحتمال وترك المحاقة والمكاشفة وذلك قبل نزول آية السيف . وقيل : نزلت في عمر Bه : شتمه رجل فأمره الله بالعفو . وقيل : أفرط إيذاء المشركين للمسلمين فشكوا إلى رسول الله A فنزلت . وقيل : الكلمة التي هي أحسن : أن يقولوا يهديكم الله يرحمكم الله . وقرأ طلحة : ينزغ بالكسر وهما لغتان نحو يعرشون ويعرشون .
" وربك أعلم بمن في السموات والأرض ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا " .
هو رد على أهل مكة في إنكارهم واستبعادهم أن يكون يتيم أبي طالب نبيا وأن تكون العراة الجوع أصحابه كصهيب وبلال وخباب وغيرهم دون أن يكون ذلك في بعض أكابرهم وصناديدهم يعني : وربك أعلم بمن في السموات والأرض وبأحوالهم ومقاديرهم وبما يستأهل كل واحد منهم وقوله " ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض " إشارة إلى تفضيل رسول الله A وقوله " وآتينا داود زبورا " دلالة على وجه تفضيله وهو أنه خاتم الأنبياء وأن أمته خير الأمم ؟ لأن ذلك مكتوب في زبور داود . قال الله تعالى " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون " الأنبياء : 105 ، وهم محمد وأمته . فإن قلت : هلا عرف الزبور كما عرف في قوله " ولقد كتبنا في الزبور " الأنبياء : 105 ، قلت : يجوز أن يكون الزبور وزبور كالعباس وعباس والفضل وفضل وأن يريد : وآتينا داود بعض الزبر وهي الكتب وأن يريد ما ذكر فيه رسول الله A من الزبور فسمى ذلك زبورا لأنه بعض الزبور كما سمى بعض القرآن قرانا