والعين بعد أولئك الأيام .
و " عنه " في موضع الرفع بالفاعلية أي : كل واحد منها كان مسئولا عنه فمسئول : مسند إلى الجار والمجرور كالمغضوب في قوله " غير المغضوب عليهم " الفاتحة : 7 ، يقال للإنسان : لم سمعت ما لم يحل لك سماعه ؟ ولم نظرت إلى ما لم يحل لك النظر إليه ولم عزمت على ما لم يحل لك العزم عليه ؟ وقرئ والفواد بفتح الفاء والواو قلبت الهمزة واوا بعد الضمة في الفؤاد ثم استصحب القلب مع الفتح .
" ولا تمشي في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها " .
" مرحا " حال أي : ذا مرح . وقرئ مرحا وفضل الأخفش المصدر على اسم الفاعل لما فيه من التأكيد " لن تخرق الأرض " لن تجعل فيها خرقا بدوسك لها وشدة وطأتك . وقرئ لن تخرق بضم الراء " ولن تبلغ الجبال طولا " بتطاولك وهو تهكم بالمختال . قرئ سيئة وسيئه على إضافة سيء إلى ضمير كل وسيئا في بعض المصاحف وسيئات . وفي قراءة أبي بكر الصديق Bه . كان شأنه . فإن قلت : كيف قيل سيئه مع قوله مكررها ؟ قلت : السيئة في حكم الأسماء بمنزلة الذنب والإثم زال عنه حكم الصفات فلا اعتبار بتأنيثه . ولا فرق بين من قرأ سيئة وسيئا . ألا تراك تقول : الزنا سيئة كما تقول : السرقة سيئة فلا تفرق بين إسنادها إلى مذكر ومؤنث . فإن قلت : فما ذكر من الخصال بعضها سيء وبعضها حسن ولذلك قرأ من قرأ سيئه بالإضافة فما وجه من قرأ سيئة ؟ قلت : كل ذلك إحاطة بما نهى عنه خاصة لا بجميع الخصال المعدودة .
" ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا " .
" ذلك " إشارة إلى ما تقدم من قوله " لا تجعل مع الله إلها آخر " الإسراء : 22 ، إلى هذه الغاية . وسماه حكمة لأنه كلام محكم لا مدخل فيه للفساد بوجه . وعن ابن عباس : هذه الثماني عشرة آية كانت في ألواح موسى أولها لا تجعل مع الله إلها آخر قال الله تعالى " وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة " الأعراف : 145 ، وهي عشر آيات في التوراة ولقد جعل الله فاتحتها وخاتمتها النهي عن الشرك ؟ لأن التوحيد هو رأس كل حكمة وملاكها ومن عدمه لم تنفعه حكمه وعلومه وإن بذ فيها الحكماء . وحك بيافوخه السماء وما أغنت عن الفلاسفة أسفار الحكم وهم عن دين الله أضل من النعم .
" وأفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا إنكم لتقولون قولا عظيما " .
" وأفأصفاكم " خطاب للذين قالوا " الملائكة بنات الله " والهمزة للإنكار . يعني : أفخصكم ربكم على وجه الخلوص والصفاء بأفضل الأولاد وهم البنون لم يجعل فيهم نصيبا لنفسه . واتخذ أدونهم وهي البنات وهذا خلاف الحكمة وما عليه معقولكم وعادتكم فإن العبيد لا يؤثرون بأجود الأشياء وأصفاها من الثوب ويكون أردأها وأدونها للسادات " إنكم لتقولون قولا عظيما " بإضافتكم إليه الأولاد وهي خاصة بالأجسام ثم بأنكم تفضلون عليه أنفسكم حيث تجعلون له ما تكرهون ثم بأن تجعلوا الملائكة وهم أعلى خلق الله وأشرفهم أدون خلق الله وهم الإناث .
" ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا ما يزيدهم إلا نفورا " .
" ولقد صرفنا في هذا القرآن " يجوز أن يريد بهذا القرآن إبطال إضافتهم إلى الله البنات لأنه مما صرفه وكرر ذكره والمعنى : ولقد صرفنا القول في هذا المعنى . أو أوقعنا التصريف فيه وجعلناه مكانا للتكرير . ويجوز أن يشير بهذا القرآن إلى التنزيل ويريد . ولقد صرفناه . يعني هذا المعنى في مواضع من التنزيل فترك الضمير لأنه معلوم . وقرئ : صرفنا بالتخفيف وكذلك " ليذكروا " قرئ مشددا ومخففا أي : كررناه ليتعظوا ويعتبروا ويطمئنوا إلى ما يحتج به عليهم " ما يزيدهم إلا نفورا " عن الحق وقلة طمأنينة إليه . وعن سفيان : كان إذا قرأها قال : زادني لك خضوعا ما زاد أعداءك نفورا .
" قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا "