التبذير تفريق المال فيما لا ينبغي . وإنفاقه على وجه الإسراف . وكانت الجاهلية تنحر إبلها وتتياسر عليها وتبذر أموالها في الفخر والسمعة وتذكر ذلك في أشعارها فأمر الله بالنفقة في وجوهها مما يقرب منه ويزلف . وعن عبد الله : هو إنفاق المال في غير حقه . وعن مجاهد : لو أنفق مدا في باطل كان تبذيرا وقد أنفق بعضهم نفقة في خير فأكثر فقال له صاحبه : لا خير في السرف فقال : لا سرف في الخير . وعن عبد الله بن عمرو : مر رسول الله A بسعد وهو يتوضأ فقال : ما هذا السرف يا سعد ؟ قال : أوفي الوضوء سرف ؟ قال : نعم وإن كنت على نهر جار " " إخوان الشياطين " أمثالهم في الشرارة وهي غاية المذمة لأنه لا شر من الشيطان . أو هم إخوانهم وأصدقاؤهم لأنهم يطيعونهم فيما يأمرونهم به من الإسراف . أو هم قرناؤهم في النار على سبيل الوعيد " وكان الشيطان لربه كفورا " فما ينبغي أن يطاع فإنه لا يدعو إلا إلى مثل فعله . وقرأ الحسن إخوان الشيطان .
" وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا " .
وإن اعرضت عن ذي القربى والمسكين وابن السبيل حياء من الرد " فقل لهم قولا ميسورا " فلا تتركهم غير مجابين إذا سألوك .
وكان النبي A إذا سئل شيئا وليس عنده أعرض عن السائل وسكت حياء .
قوله " ابتغاء رحمة من ربك " إما أن يتعلق بجواب الشرط مقدما عليه أي : فقل لهم قولا سهلا لينا وعدهم وعدا جميلا رحمة لهم وتطييبا لقلوبهم ابتغاء رحمة من ربك أي : ابتغ رحمة الله التي ترجوها برحمتك عليهم . وإما أن يتعلق بالشرط أي : وإن أعرضت عنهم لفقد رزق من ربك ترجو أن يفتح لك فسمى الرزق رحمة فردهم ردا جميلا فوضع الابتغاء موضع الفقد ؟ لأن فاقد الرزق مبتغ له فكان الفقد سبب الابتغاء والابتغاء مسببا عنه فوضع المسبب موضع السبب . ويجوز أن يكون معنى " وإما تعرضن عنهم " وإن لم تنفعهم ولم ترفع خصاصتهم لعدم الاستطاعة ولا يريد الإعراض بالوجه كناية بالإعراض عن ذلك ؟ لأن من أبى أن يعطي أعرض بوجهه . يقال : يسر الأمر وعسر مثل سعد الرجل ونحس فهو مفعول . وقيل معناه : فقل لهم رزقنا الله وإياكم من فضله على أنه دعاء لهم ييسر عليهم فقرهم كأن معناه : قولا ذا ميسور وهو اليسر أي : دعاء فيه يسر .
" ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا " .
هذا تمثيل لمنع الشحيح وإعطاء المسرف وأمر بالاقتصاد الذي هو بين الإسراف والتقتير " فتقعد ملوما " فتصير ملوما عند الله لأن المسرف غير مرضي عنده وعند الناس يقول المحتاج : أعطى فلانا وحرمني . ويقول المستغني : ما يحسن تدبير أمر المعيشة . وعند نفسك : إذا احتجت فندمت على ما فعلت " محسورا " منقطعا بك لا شيء عندك من حسره السفر إذا بلغ منه وحسره بالمسألة . وعن جابر : بينا رسول الله A جالس أتاه صبي فقال : إن أمي تستكسيك درعا فقال من ساعة إلى ساعة يظهر فعد إلينا فذهب إلى أمه فقالت له قل له : إن أمي تستكسيك الدرع الذي عليك فدخل داره ونزع قميصه وأعطاه وقعد عريانا وأذن بلال وانتظروا فلم يخرج للصلاة . وقيل أعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل وعيينة بن حصن فجاء عباس بن مرداس وأنشأ يقول : .
أتجعل نهبي ونهب العبيد ... بين عيينة والأقرع .
وما كان حصن ولا حابس ... يفوقان جدي في مجمع .
وما كنت دون امرئ منهما ... ومن تضع اليوم لا يرفع .
فقال : يا أبا بكر اقطع لسانه عني أعطه مائة من الإبل فنزلت .
" إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا " .
ثم سلى رسول الله A عما كان يرهقه من الإضافة بأن ذلك ليس لهوان منك عليه ولا لبخل به عليك ولكن لأن مشيئته في بسط الأرزاق وقدرها تابعة للحكمة والمصلحة . ويجوز أن يريد أن البسط والقبض إنما هما من أمر الله الذي الخزائن في يده فأما العبيد فعليهم أن يقتصدوا . ويحتمل أنه عز وعلا بسط لعباده أو قبض فإنه يراعي أوسط الحالين لا يبلغ بالمبسوط له غاية مراده ولا بالمقبوض عليه أقصى مكروهه فاستنوا بسنته .
" ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقكم وإياهم إن قتلهم كان خطأ كبيرا "