" للتي هي أقوم " للحالة التي هي أقوم الحالات وأسدها . أو للملة . أو للطريقة . وأينما قدرت لم تجد مع الإثبات ذوق البلاغة الذي تجده مع الحذف لما في إبهام الموصوف بحذفه من فخامة تفقد مع إيضاحه . وقرئ : ويبشر بالتخفيف فإن قلت : كيف ذكر المؤمنين الأبرار والكفار ولم يذكر الفسقة ؟ قلت : كان الناس حينئذ إما مؤمن تقي وإما مشرك وإنما حدث أصحاب المنزلة بين المنزلتين بعد ذلك . فإن قلت : علام عطف " إن الذين لا يؤمنون " ؟ قلت : على " أن لهم أجرا كبيرا " على معنى : أنه بشر المؤمنين ببشارتين اثنتين : بثوابهم وبعقاب أعدائهم ويجوز أن يراد : ويخبر بأن الذين لا يؤمنون معذبون .
" ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا " .
أي : ويدعو الله عند غضبه بالشر على نفسه وأهله وماله كما يدعوه لهم بالخير كقوله : " ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير " يونس : 11 ، " وكان الإنسان عجولا " يتسرع إلى طلب كل ما يقع في قلبه ويخطر بباله لا يتأنى فيه تأني المتبصر . وعن النبي A : أنه دفع إلى سودة بنت زمعة أسيرا فأقبل يئن بالليل فقالت له : مالك تئن ؟ فشكا ألم القد فأرخت من كتافه فلما نامت أخرج يده وهرب فلما أصبح النبي A دعا به فأعلم بشأنه فقال A " اللهم اقطع يديها " فرفعت سودة يديها تتوقع الإجابة وأن يقطع الله يديها فقال النبي A : " إني سألت الله أن يجعل لعنتي ودعائي على من لا يستحق من أهلي رحمة لأني بشر أغضب كما يغضب البشر فلترد سودة يديها " ويجوز أن يريد بالإنسان الكافر وأنه يدعو بالعذاب استهزاء ويستعجل به كما يدعو بالخير إذا مسته الشدة . " وكان الإنسان عجولا " يعني أن العذاب آتيه لا محالة فما هذا الاستعجال وعن ابن عباس رضي الله عنهما : هو النضر بن الحرث قال : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك الآية فأجيب له فضربت عنقه صبرا .
" وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا " .
فيه وجهان أحدهما : أن يراد أن الليل والنهار آيتان في أنفسهما فتكون الإضافة في آية الليل وآية النهار للتبيين كإضافة العدد إلى المعدود أي : فمحونا الآية التي هي الليل وجعلنا الآية التي هي النهار مبصرة . والثاني : أن يراد : وجعلنا نيري الليل والنهار آيتين يريد الشمس والقمر . " فمحونا آية الليل " : أي جعلنا الليل ممحو الضوء مطموسه مظلما لا يستبان فيه شيء كما لا يستبان ما في اللوح الممحو وجعلنا النهار مبصرا أي تبصر فيه الأشياء وتستبان . أو فمحونا : آية الليل التي هي القمر حيث لم يخلق لها شعاعا كشعاع الشمس فترى به الأشياء رؤية بينة وجعلنا الشمس ذات شعاع يبصر في ضوئها كل شيء " لتبتغوا فضلا من ربكم " لتتوصلوا ببياض النهار إلى استبانة أعمالكم والتصرف في معايشكم " ولتعلموا " باختلاف الجديدين " عدد السنين و " جنس " الحساب " وما تحتاجون إليه منه ولولا ذلك لما علم أحد حسبان الأوقات ولتعطلت الأمور " وكل شيء " مما تفتقرون إليه في دينكم ودنياكم " فصلناه " بيناه بيانا غير ملتبس فأزحنا عللكم وما تركنا لكم حجة علينا .
" كل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا أقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا "