" طائره " عمله وقد حققنا القول فيه في سورة النمل . وعن ابن عيينة : هو من قولك : طار له سهم إذا خرج يعني : ألزمناه ما طار من عمله . والمعنى أن عمله لازم له لزوم القلادة أو الغل لا يفك عنه ومنه مثل العرب : تقلدها طوق الحمامة . وقولهم : الموت في الرقاب . وهذا ربقة في رقبته . عن الحسن : يا ابن آدم بسطت لك صحيفة إذا بعثت قلدتها في عنقك . وقرئ : في عنقه بسكون النون . وقرئ : نخرج بالنون . ويخرج بالياء والضمير لله D ويخرج على البناء للمفعول . ويخرج من خرج والضمير للطائر . أي : يخرج الطائر كتابا وانتصاب " كتابا " على الحال . وقرئ : يلقاه بالتشديد مبنيا للمفعول . و " يلقاه منشورا " صفتان للكتاب . أو " يلقاه " صفة و " منشورا " حال من يلقاه " أقرأ " على إرادة القول . وعن قتادة : يقرأ ذلك اليوم من لم يكن في الدنيا قارئا . و " بنفسك " فاعل كفى . و " حسيبا " تمييز وهو بمعنى حاسب كضريب القداح بمعنى ضاربها وصريم بمعنى صارم ذكرهما سيبويه . وعلى متعلق به من قولك حسب عليه كذا . لجوز أن يكون بمعنى الكافي وضع موضع الشهيد فعدي بعلى لأن الشاهد يكفي المدعي ما أهمه . فإن قلت : لم ذكر حسيبا ؟ قلت : لأنه بمنزلة الشهيد والقاضي والأمير لأن الغالب أن هذه الأمور يتولاها الرجال فكأنه قيل : كفى بنفسك رجلا حسيبا . ويجوز أن تأول النفس بالشخص كما يقال : ثلاثة أنفس . وكان الحسن إذا قرأها قال : يا ابن آدم نصفك والله من جعلك حسيب نفسك .
" من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن يضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " .
أي : كل نفس حاملة وزرا فإنما تحمل وزرها لا وزر نفس أخرى " وما كنا معذبين " وما صح منا صحة تدعو إليها الحكمة أن نعذب قوما إلا بعد أن " نبعث " إليهم " رسولا " فتلزمهم الحجة . فإن قلت : الحجة لازمة لهم قبل بعثة الرسل لأن معهم أدلة العقل التي بها يعرف الله وقد أغفلوا النظر وهم متمكنون منه واستيجابهم العذاب لإغفالهم النظر فيما معهم وكفرهم لذلك لا لإغفال الشرائع التي لا سبيل إليها إلا بالتوقيف والعمل بها لا يصح إلا بعد الإيمان . قلت : بعثة الرسل من جملة التنبيه على النظر والإيقاظ من رقدة الغفلة لئلا يقولوا : كنا غافلين فلو لا بعثت إلينا رسولا ينبهنا على النظر في أدلة العقل .
" وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا "