" وقضينا على بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا " .
" وقضينا على بني إسرائيل " وأوحينا إليهم وحيا مقضيا أي مقطوعا مبتوتا بأنهم يفسدون في الأرض لا محالة ويعلون أي : يتعظمون ويبغون " في الكتاب " في التوراة و " لتفسدن " جواب قسم محذوف . ويجوز أن يجري القضاء المبتوت مجرى القسم فيكون " لتفسدن " جوابا له كأنه قال : وأقسمنا لتفسدن . وقرئ : لتفسدن على البناء للمفعول . ولتفسدن بفتح التاء من فسد " مرتين " أولاهما : قتل زكريا وحبس أرميا حين أنذرهم سخط الله والآخرة : قتل يحيى بن زكريا وقصد قتل عيسى ابن مريم " عبادا لنا " وقرئ : عبيدا لنا وأكثر ما يقال : عباد الله وعبيد الناس : سنحاريب وجنوده وقيل بختنصر . وعن ابن عباس : جالوت . قتلوا علماءهم وأحرقوا التوراة وخربوا المسجد وسبوا منهم سبعين ألفا . فإن قلت : كيف جاز أن يبعث الله الكفرة على ذلك وسلطهم عليه قلت : معنا خلينا بينهم وبين ما فعلوا ولم نمنعهم على أن الله عز وعلا أسند بعث الكفرة عليهم إلى نفسه فهو كقوله تعالى " وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون " الأنعام : 129 ، وكقول الداعي . وخالف بين كلمهم . وأسند الجوس وهو التردد خلال الديار بالفساد إليهم فتخريب المسجد وإحراق التوراة من جملة الجوس المسند إليهم . وقرأ طلحة فحاسوا بالحاء . وقرئ : فجوسو وخلل الديار . فإن قلت : ما معنى " وعد أولاهما " ؟ قلت : معنا وعد عقاب أولاهما " وكان وعدا مفعولا " يعني : وكان وعد العقاب وعدا لا بد أن يفعل " ثم رددنا لكم الكرة " أي الدولة والغلبة على الذين بعثوا عليكم حين تبتم ورجعتم عن الفساد والعلو . قيل : هي قتل بختنصر واستنقاذ بني إسرائيل أسراهم وأموالهم ورجوع الملك إليهم وقيل : هي قتل داود جالوت " أكثر نفيرا " مما كنتم . والنفير من ينفر جمل مع الرجل من قومه وقيل : جمع نفر كالعبيد والمعيز .
" إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليئسوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا " .
أي الإحسان والإساءة : كلاهما مختص بأنفسكم لا يتعدى النفع والضرر إلى غيركم . وعن علي Bه : ما أحسنت إلى أحد ولا أسأت إليه وتلاها " فإذا جاء وعد " المرة " الآخرة " بعثناهم " ليئسوا وجوهكم " حذف لدلالة ذكره أولا عليه . ومعنى " ليئسوا وجوهكم " ليجعلوها بادية آثار المساءة والكابة فيها كقوله : " سيئت وجوه الذين كفروا " الملك : 27 ، وقرئ : ليسوء والضمير لله تعالى أو للوعد أو للبعث ولنسوء بالنون . وفي قراءة علي : لنسوأن وليسوأن وقرئ : لنسوأن بالنون الخفيفة . واللام في " ليدخلوا " على هذا متعلق بمحذوف وهو : وبعثناهم ليدخلوا ولنسو أن : جواب إذا جاء " ما علوا " مفعول ليتبروا أي ليهلكوا كل شيء غلبوه واستولوا عليه . أو بمعنى : مدة علوهم .
" عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا " .
" عسى ربكم أن يرحمكم " بعد المرة الثانية إن تبتم توبة أخرى وانزجرتم عن المعاصي " وإن عدتم " مرة ثالثة " عدنا " إلى عقوبتكم وقد عادوا فأعاد الله إليهم النقمة بتسليط الأكاسرة وضرب الأتاوة عليهم وكن الحسن : عادوا فبعث الله محمدا فهم يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون وعن قتادة : ثم كان آخر ذلك أن بعث الله عليهم هذا الحي من العرب فهم منهم في عذاب إلى يوم القيامة " حصيرا " محبسا يقال للسجن محصر وحصير . وعن الحسن : بساطا كما يبسط الحصير المرمول .
" إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنون الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذابا أليما "