" أنه كان نائما في بيت أم هانئ بعد صلاة العشاء فأسرى به ورجع من ليلته وقص القصة على أم هانئ . وقال : مثل لي النبيون فصليت بهم وقام ليخرج إلى المسجد فتشبثت أم هانئ بثوبه فقال : مالك ؟ قالت : أخشى أن يكذبك قومك إن أخبرتهم قال : . وإن كذبوني فخرج فجلس إليه أبو جهل فأخبره رسول الله A بحديث الإسراء فقال أبو جهل : يا معشر بني كعب بن لؤي هلم فحدثهم فمن بين مصفق وواضع يده على رأسه تعجبا وإنكارا . وارتد ناس ممن كان قد آمن به وسعى رجال إلى أبي بكر Bه فقال : إن كان قال ذلك لقد صدق . قالوا : أتصدقه على ذلك ؟ قال : إني لأصدقه على أبعد من ذلك فسمي الصديق . وفيهم من سافر إلى ماثم فاستنعتوه المسجد فجلى له بيت المقدس فطفق ينظر إليه وينعته لهم فقالوا : أما النعت فقد أصاب فقالوا : أخبرنا عن عيرنا فأخبرهم بعدد جمالها وأحوالها وقال : تقدم يوم كذا مع طلوع الشمس يقدمها جمل أورق فخرجوا يشتدون ذلك اليوم نحو الثنية فقال قائل منهم : هذه والله الشمس قد شرقت فقال آخر : وهذه والله العير قد أقبلت يقدمها جمل أورق كما قال محمد .
ثم لم يؤمنوا وقالوا : ما هذا إلا سحر مبين وقد عرج به إلى السماء في تلك الليلة وكان العروج به من بيت المقدس وأخبر قريشا أيضا بما رأى في السماء من العجائب وأنه لقي الأنبياء وبلغ البيت المعمور وسدرة المنتهى واختلفوا في وقت الإسراء فقيل كان قبل الهجرة بسنة .
وعن أنس والحسن أنه كان قبل البعث واختلف في أنه كان في اليقظة أم في المنام فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت " والله ما فقد جسد رسول الله A ولكن عرج بروحه " وعن معاوية : إنما عرج بروحه . وعن الحسن . كان في المنام رؤيا رآها . وأكثر الأقاويل بخلاف ذلك . والمسجد الأقصى : بيت المقدس لأنه لم يكن حينئذ وراءه مسجد باركنا حوله " يريد بركات الدين والدنيا لأنه متعبد الأنبياء من وقت موسى ومهبط الوحي وهو محفوف بالأنهار الجارية والأشجار المثمرة . وقرأ الحسن : ليريه بالياء ولقد تصرف الكلام على لفظ الغائب والمتكلم فقيل : أسرى ثم باركنا ثم ليريه على قراءة الحسن ثم من آياتنا ثم إنه هو وهي طريقة الالتفات التي هي من طرق البلاغة إنه هو السميع " لأقوال محمد " البصير " بأفعاله العالم بتهذبها وخلوصها فيكرمه ويقربه على حسب ذلك .
" وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا " .
" ألا تتخذوا " قرئ بالياء على : لئلا يتخذوا وبالتاء على : أي لا تتخذوا كقولك : كتبت إليه أن أفعل كذا " وكيلا " بما تكلون إليه أموركم " ذرية من حملنا " نصب على الاختصاص . وقيل : على النداء فيمن قرأ لا تتخذوا بالتاء على النهي يعني : قلنا لهم لا تتخذوا من دوني وكيلا يا ذرية من حملنا " مع نوح " وقد يجعل " وكيلا ذرية من حملنا " مفعولي تتخذوا أي لا تجعلوهم أربابا كقوله " ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا " ومن ذرية المحمولين مع نوح عيسى وعزير عليهم السلام وقرئ : ذرية من حملنا بالرفع بدلا من واو " تتخذوا " وقرأ زيد بن ثابت : ذرية بكسر الذال . وروي عنه أنه قد فسرها بولد الولد ذكرهم الله النعمة في إنجاء آبائهم من الغرق " إنه " إن نوحا " كان عبدا شكورا " قيل : كان إذا أكل قال : الحمد لله الذي أطعمني ولو شاء أجاعني . وإذا شرب قال : الحمد لله الذي سقاني ولو شاء أظمأني . وإذا اكتسى قال : الحمد لله الذي كساني ولو شاء أعراني . وإذا احتذى قال : الحمد لله الذي حذاني ولو شاء أحفاني . وإذا قضى حاجته قال : الحمد لله الذي أخرج عني أذاه في عافية ولو شاء حبسه . وروي أنه كان إذا أراد الإفطار عرض طعامه على من آمن به فإن وجده محتاجا آثره به . فإن قلت : قوله إنه كان عبدا شكورا ما وجه ملاءمته لما قبله ؟ قلت : كأنه قيل : لا تتخذوا من دوني وكيلا ولا تشركوا بي لأن نوحا عليه السلام كان عبدا شكورا وأنتم ذرية من آمن به وحمل معه فاجعلوه أسوتكم كما جعله آباؤكم أسوتهم . ويجوز أن يكون تعليلا لاختصاصهم والثناء عليهم بأنهم أولاد المحمولين مع نوح فهم متصلون به فاستأهلوا لذلك الاختصاص . ويجوز أن يقال ذلك عند ذكره على سبيل الاستطراد