في " ينزل " و " نزله " وما فيهما من التنزيل شيئا فشيئا على حسب الحوادث والمصالح : إشارة إلى أن التبديل من باب المصالح كالتنزيل وأن ترك النسخ بمنزلة إنزاله دفعة واحدة في خروجه عن الحكمة . و " روح القدس " جبريل عليه السلام أضيف إلى القدس وهو الطهر كما يقال : حاتم الجود وزيد الخير والمراد الروح المقدس وحاتم لجواد وزيد الخير . والمقدس المطهر من المآثم . وقرئ : بضم الدال وسكونها " بالحق " في موضع الحال أي نزله ملتبسا بالحكمة يعني أن النسخ من جملة الحق " ليثبت الذين آمنوا " ليبلوهم بالنسخ حتى إذا قالوا فيه : هو الحق من ربنا والحكمة حكم لهم بثبات القدم وصحة اليقين وطمأنينة القلوب على أن الله حكيم فلا يفعل إلا ما هو حكمة وصواب " وهدى وبشرى " مفعول لهما معطوفان على محل ليثبت . والتقدير : تثبيتا لهم وإرشادا وبشارة وفيه تعريض بحصول أضداد هذه الخصال لغيرهم . وقرئ : ليثبت بالتخفيف .
" ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين " .
أرادوا بالبشر : غلاما كان لحويطب بن عبد العزى قد أسلم وحسن إسلامه اسمه عائش أو يعيش وكان صاحب كتب . وقيل : هو جبر غلام رومي كان لعامر بن الحضرمي . وقيل عبدان : جبر ويسار كانا يصنعان السيوف بمكة ويقرآن التوراة والإنجيل فكان رسول الله A إذا مر وقف عليهما يسمع ما يقرآن فقالوا : يعلمانه فقيل لأحدهما فقال . بل هو يعلمني . وقيل : هو سلمان الفارسي . واللسان : اللغة . ويقال : ألحد القبر ولحده وهو ملحد وملحود إذا أمال حفره عن الاستقامة فحفر في شق منه ثم استعير لكل إمالة عن استقامة فقالوا : ألحد فلان في قوله وألحد في دينه . ومنه الملحد لأنه أمال مذهبه عن الأديان كلها لم يمله عن دين إلى دين . والمعنى : لسان الرجل الذي يميلون قولهم عن الاستقامة إليه لسان " أعجمي " غير بين " وهذا " القرآن " لسن عربي مبين " ذو بيان وفصاحة ردا لقولهم وإبطالا لطعنهم وقرئ : يلحدون بفتح الياء والحاء . وفي قراءة الحسن : اللسان الذي يلحدون إليه بتعريف اللسان . فإن قلت : الجملة التي هي قوله : " لسان الذي يلحدون إليه أعجمي " ما محلها ؟ قلت : لا محل لها لأنها مستأنفة جواب لقولهم . ومثله قوله " الله أعلم حيث يجعل رسالته " الأنعام : 124 ، بعد قوله " وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله " الأنعام : 124 .
" إن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله ولهم عذاب أليم إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون " .
" إن الذين لا يؤمنون بآيات الله " أي يعلم الله منهم أنهم لا يؤمنون " لا يهابهم الله " لا يلطف بهم لأنهم من أهل الخذلان في الدنيا والعذاب في الآخرة لا من أهل اللطف والثواب " إنما يفتري الكذب " رد لقولهم " إنما أنت مفتر " يعني : إنما يليق افتراء الكذب بمن لا يؤمن لأنه لا يترقب عقابا عليه " وأولئك " إشارة إلى قريش " هم الكاذبون " أي هم الذين لا يؤمنون فهم الكاذبون . أو إلى الذين لا يؤمنون . أي أولئك هم الكاذبون على الحقيقة الكاملون في الكذب لأن تكذيب آيات الله أعظم الكذب : أو أولئك هم الذين عادتهم الكذب لا يبالون به في كل شيء لا تحجبهم عنه مروءة ولا دين . أو أولئك هم الكاذبون في قولهم " إنما أنت مفتر " .
" من كفر بالله من بعد إيمانه إلا إن أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون "