عهد الله : هي البيعة لرسول الله A على الإسلام " إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله " الفتح : 10 . " ولا تنقضوا " إيمان البيعة " بعد توكيدها " أي بعد توثيقها باسم الله . وأكد ووكد : لغتان فصيحتان والأصل الواو والهمزة بدل " كفيلا " شاهدا ورقيبا لأن الكفيل مراع لحال المكفول به مهيمن عليه " ولا تكونوا " في نقض الأيمان كالمرأة التي أنحت على غزلها بعد أن أحكمته وأبرمته فجعلته " أنكاثا " جمح نكث وهو ما ينكث فتله . قيل : هي ريطة بنت سعد بن تيم وكانت خرقاء اتخذت مغزلا قدر ذراع وصنارة مثل أصبع وفلكة عظيمة على قدرها فكانت تغزل هي وجواريها من الغداة إلى الظهر ثم تأمرهن فينقضن ما غزلن " تتخذون " حال و " دخلا " أحد مفعولي اتخذ . يعني : ولا تنقضوا أيمانكم متخذيها دخلا " بينكم " أي مفسدة ودغلا " أن تكون أمة " بسبب أن تكون أمة يعني جماعة قريش " هي أربى من أمة " هي أزيد عددا وأوفر مالا . من أمة من جماعة المؤمنين " إنما يبلوكم الله به " الضمير لقوله : أن تكون أمة لأنه في معنى المصدر أي : إنما يختبركم بكونهم أربى لينظر أتتمسكون بحبل الوفاء بعهد الله وما عقدتم على أنفسكم ووكدتم من أيمان البيعة لرسول الله A أم تغترون بكثرة قريش وثروتهم وقوتهم وقلة المؤمنين وفقرهم وضعفهم ؟ " ليبينن لكم " إنذار وتحذير من مخالفة ملة الإسلام .
" ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون " .
" ولو شاء الله لجعلكم أمة " حنيفة مسلمة على طريق الإلجاء والاضطرار وهو قادر على ذلك " ولكن " الحكمة اقتضت أن يضل " من يشاء " وهو أن يخذل من علم أنه يختار الكفر ويصمم عليه " ويهدي من يشاء " وهو أن يلطف بمن علم أنه يختار الإيمان . يعني : أنه بنى الأمر على الاختيار وعلى ما يستحق به اللطف والخذلان والثواب والعقاب ولم يبنه على الإجبار الذي لا يستحق به شيء من ذلك وحققه بقوله : " ولتسألن عما كنتم تعملون " ولو كان هو المضطر إلى الضلال والاهتداء لما أثبت لهم عملا يسألون عنه .
" ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بعد صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم " .
ثم كرر النهي عن اتخاذ الأيمان دخلا بينهم تأكيدا عليهم وإظهارا لعظم ما يركب منه " فتزل قدم بعد ثبوتها " فتزل أقدامكم عن محجة الإسلام بعد ثبوتها عليها " وتذوقوا السوء " في الدنيا بصدودكم " عن سبيل الله " وخروجكم من الدين . أو بصدكم غيركم لأنهم لو نقضوا أيمان البيعة وارتدوا لا تخذوا نقضها سنة لغيرهم يستنون بها " ولكم عذاب عظيم " في الآخرة .
" و لا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا إنما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون " .
كان قوما ممن أسلم بمكة زين لهم الشيطان لجزعهم مما رأوا من غلبة قريش واستضعافهم المسلمين وإيذائهم لهم ولما كانوا يعدونهم إن رجعوا من المواعيد أن ينقضوا ما بايعوا عليه رسول الله A فثبتهم الله " ولا تشتروا " ولا تستبدلوا " بعهد الله " وبيعة رسول الله A " ثمنا قليلا " عرضا من الدنيا يسيرا وهو ما كانت قريش يعدونهم ويمنونهم إن رجعوا " إنما عند الله " من إظهاركم وتغنيمكم ومن ثواب الآخرة " خير لكم " .
" ما عندكم ينفد وما عند الله باق ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون " .
" ما عندكم " من أعراض الدنيا " ينفد وما عند الله " من خزائن رحمته " باق " لا ينفد وقرئ : لنجزين بالنون والياء " الذين صبروا " على أذى المشركين ومشاق الإسلام . فإن قلت : لم وحدت القدم ونكرت ؟ قلت : لاستعظام أن تزل قدم واحدة عن طريق الحق بعد أن ثبتت عليه فكيف بأقدام كثيرة ؟ " من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون "