إن أرادوا بالشركاء آلهتهم فمعنى " شركاؤنا " آلهتنا التي دعوناها شركاء . وإن أرادوا الشياطين فلأنهم شركاؤهمفي الكفر وقرناؤهم في الغي : و " ندعو " بمعنى نعبد فإن قلت : لم قالوا : " إنكم لكاذبون " وكانوا يعبدونهم على الصحة ؟ قلت : لما كانوا غير راضين بعبادتهم فكأن عبادتهم لم تكن عبادة . والدليل عليه قول الملائكة " كانوا يعبدوا الجن " سبأ : 41 ، يعنون أن الجن كانوا راضين بعبادتهم لا نحن فهم المعبودون دوننا أو كذبوهم في تسميتهم شركاء وآلهة تنزيها لله من الشريك . وإن أريد بالشركاء الشياطين جاز أن يكون كاذبين في قولهم " إنكم لكاذبون " كما يقول الشيطان : إني كفرت به أشركتموني من قبل " وألقوا " يعني الذين ظلموا . وإلقاء السلم : الاستسلام لأمر الله وحكمه بعد الإباء والاستكبار في الدنيا " وضل عنهم " وبطل عنهم " ما كانوا يفترون " من أن لله شركاء وأنهم ينصرونهم ويشفعون لهم حين كذبوهم وتبرؤا منهم .
" الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون " .
" الذين كفروا " في أنفسهم وحملوا غيرهم على الكفر : يضاعف الله عقابهم كما ضاعفوا كفرهم . وقيل في زيادة عذابهم حيات أمثال البخت وعقارب أمثال البغال تلسع إحداهن اللسعة فيجد صاحبها حمتها أربعين خريفا . وقيل : يخرجون من النار إلى الزمهرير فيبادرون من شدة برده إلى النار " بما كانوا يفسدون " بكونهم مفسدين الناس بصدهم عن سبيل الله .
" ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى وحمة وبشرى للمسلمين " .
" شهيدا عليهم من أنفسهم " يعني نبيهم لأنه كان يبعث أنبياء الأمم فيهم منهم " وجئنا بك " يا محمد " شهيدا على هؤلاء " على أمتك " تبيانا " بيانا بليغا ونظير تبيان تلقاء في كسر أوله وقد جوز الزجاج فتحه في غير القرآن . فإن قلت : كيف كان القرآن تبيانا " لكل شيء " ؟ قلت : المعنى أنه بين كل شيء من أمور الدين حيث كان نصا على بعضها وإحالة على السنة حيث أمر فيه باتباع رسول الله A وطاعته . وقيل : وما ينطق عن الهوى . وحثا على الإجماع في قوله : " ويتبع غير سبيل المؤمنين " النساء : 115 ، وقد رضي رسول الله A لأمته اتباع أصحابه والاقتداء بآثارهم في قوله A : " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " وقد اجتهدوا وقاسوا ووطؤا طرق القياس والاجتهاد فكانت السنة والإجماع والقياس والاجتهاد مستندة إلى تبيان الكتاب فمن ثم كان تبيانا لكل شيء .
" إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي لعلكم تذكرون " .
العدل هو الواجب لأن الله تعالى عدل فيه على عباده فجعل ما فرضه عليهم واقعا تحت طاقتهم " والإحسان " الندب وإنما علق أمره بهما جميعا لأن الفرض لا بد من أن يقع فيه تفريط فيجبره الندب ولذلك قال رسول الله A لمن علمه الفرائض فقال : والله لازدت فيها ولا نقصت : " أفلح إن صدق " فعقد الفلاح بشرط الصدق والسلامة من التفريط وقال A : " استقيموا ولن تحصوا " فما ينبغي أن يترك ما يجبر كسر التفريط من النوافل . والفواحش : ما جاوز حدود الله " والمنكر " ما تنكره العقول " والبغي " طلب التطاول بالظلم وحين أسقطت من الخطب لعنة الملاعين على أمير المؤمنين علي Bه أقيمت هذه الآية مقامها . ولعمري إنها كانت فاحشة ومنكرا وبغيا ضاعف الله لمن سنها غضبا ونكالا وخزيا إجابة لدعوة نبيه : " وعاد من عاداه " وكانت سبب إسلام عثمان بن مظعون .
" وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة إنما يبلوكم الله به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون "