" من بيوتكم " التي تسكنونها من الحجر والمدر والأخبية وغيرها . والسكن : فعل بمعنى مفعول وهو ما يسكن إليه وينقطع إليه من بيت أو إلف " بيوتا " هي القباب والأبنية من الأدم والأنطاع " تستخفونها " ترونها خفيفة المحمل في الضرب والنقض والنقل " يوم ظعنكم ويوم إقامتكم " أي يوم ترحلون خف عليكم حملها ونقلها ويوم تنزلون وتقيمون في مكان لم يثقل عليكم ضربها . أو هي خفيفة عليكم في أوقات السفر والحضر جميعا على أن اليوم بمعنى الوقت " ومتاعا " وشيئا ينتفع به " إلى حين " إلى أن تقضوا منه أوطاركم . أو إلى أن يبلى ويفنى أو إلى أن تموتوا . وقرئ : يوم ظعنكم بالسكون .
" والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون " .
" مما خلق " من الشجر وسائر المستظلات " أكنانا " جمع كن وهو ما يستكن به من البيوت المنحوتة في الجبال والغيران والكهوف " سرابيل " هي القمصان والثياب من الصوف والكتان والقطن وغيرها " تقيكم الحر " لم يذكر البرد لأن الوقاية من الحر أهم عندهم وقلما يهمهم البرد لكونه يسيرا محتملا . وقيل : ما يقي من الحر يقي من البرد فدل ذكر الحر على البرد " وسرابيل تقيكم بأسكم " يريد الدروع والجواشن والسربال عام يقع على كل ما كان من حديد وغيره " لعلكم تسلمون " أي تنظرون في نعمه الفائضة فتؤمنون به وتنقادون له . وقرئ : تسلمون من السلامة : أي تشكرون فتسلمون من العذاب . أو تسلم قلوبكم من الشرك . وقيل : تسلمون من الجراح بلبس الدروع " فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون " .
" " فإن تولوا " فلم يقبلوا منك فقد تمهد عذرك بعدما أديت ما وجب عليك من التبليغ فذكر سبب العذر وهو البلاغ ليدل على المسبب " يعرفون نعمة الله " التي عددناها حيث يعترفون بها وأنها من الله " ثم ينكرونها " بعبادتهم غير المنعم بها وقولهم : هي من الله ولكنها بشفاعة آلهتنا . وقيل : إنكارهم قولهم ورثناها من آبائنا . وقيل : قولهم لولا فلان ما أصبت كذا لبعض نعم الله . وإنما لا يجوز التكلم بنحو هذا إذا لم يعتقد أنها من الله وأنه أجراها على يد فلان وجعله سببا في نيلها " وأكثرهم الكافرون " أي الجاحدون غير المعترفين . وقيل : نعمة الله نبوة محمد عليه السلام كانوا يعرفونها ثم ينكرونها عنادا وأكثرهم الجاحدون المنكرون بقلوبهم . فإن قلت : ما معنى ثم ؟ قلت : الدلالة على أن إنكارهم أمر مستبعد بعد حصول المعرفة لأن حق من عرف النعمة أن يعترف لا أن ينكر .
" ويوم نبعث من كل أمة شهيدا ثم لا يؤذن للذين كفروا ولا هم يستعتبون وإذا رأى الذين ظلموا العذاب فلا يخفف عنهم ولا هم ينظرون " .
" شهيدا " نبيها يشهد لهم وعليهم بالإيمان والتصديق والكفر والتكذيب " ثم لا يؤذن للذين كفروا " في الاعتذار . والمعنى لا حجة لهم فدل بترك الإذن على أن حجة لهم ولا عذر وكذا عن الحسن " ولا هم يستعتبون " ولا هم يسترضون أي : لا يقال لهم أرضوا ربكم لأن الآخرة ليست بدار عمل . فإن قلت : فما معنى ثم هذه ؟ قلت معناها أنهم يمنون بعد شهادة الأنبياء بما هو أطم منها وهو أنهم يمنعون الكلام فلا يؤذن لهم في إلقاء معذرة ولا إدلاء بحجة . وانتصاب اليوم بمحذوف تقديره : واذكر يوم نبعث أو يوم نبعث وقعوا فيما وقعوا فيه وكذلك إذا رأوا العذاب بغتهم وثقل عليهم " فلا يخفف عنهم ولا هم ينظرون " كقوله " بل تأتيهم بغتة فتبهتهم " الأنبياء : 40 ، الآية .
" وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعو من دونك فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون وألقوا إلى الله يومئذ السلم وضل عنهم ما كانوا يفترون "