ثم علمهم كيف تضرب فقال : مثلكم في إشراككم بالله الأوثان : مثل من سوى بين عبد مملوك عاجز عن التصرف وبين حر مالك قد رزقه الله مالا فهو يتصرف فيه وينفق منه كيف شاء . فإن قلت : لم قال " مملوكا لا يقدر على شيء " وكل عبد مملوك وغير قادر على التصرف ؟ قلت : أما ذكر المملوك فليميز من الحر لأن اسم العبد يقع عليهما جميعا لأنهما من عباد الله . وأما " لا يقدر على شيء " فليجعل غير مكاتب ولا مأذون له لأنهما يقدران على التصرف . واختلفوا في العبد هل يصح له ملك ؟ والمذهب الظاهر أنه يصح له . فإن قلت : " من " في قوله " ومن رزقناه " ما هي ؟ قلت : الظاهر أنها موصوفة كأنه قيل وحرا رزقناه ليطابق عبدا . ولا يمتنع أن تكون موصولة . فإن قلت : لم قيل " يستوون " على الجمع ؟ قلت : معناه : هل يستوي الأحرار والعبيد ؟ " وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صرط مستقيم " .
الأبكم الذي ولد أخرس فلا يفهم ولا يفهم " وهو كل على مولاه " أي ثقل وعيال على من يلي أمره ويعوله " أينما يوجهه " حيثما يرسله ويصرفه في مطلب حاجة أو كفاية مهم لم ينفع ولم يأت بنجح " هل يستوي هو ومن " هو سليم الحواس نفاعا ذو كفايات مع رشد وديانة فهو " يأمر " الناس " بالعدل " والخير " وهو " في نفسه " على صرط مستقيم " على سيرة صالحة ودين قويم . وهذا مثل ثان ضربه الله لنفسه ولما يفيض على عباده ويشملهم من آثار رحمته وألطافه ونعمه الدينية والدنيوية وللأصنام التي هي أموات لا تضر ولا تنفع وقرئ : أينما يوجه بمعنى أينما يتوجه من قولهم : أينما أوجه ألق سعدا : وقرأ ابن مسعود : أينما يوجه على البناء للمفعول .
" ولله غيب السموات والأرض وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب إن الله على كل شيء قدير " .
" ولله غيب السموات والأرض " أي يختص به علم ما غاب فيهما عن العباد وخفي عليهم علمه . أو أراد بغيب السموات والأرض : يوم القيامة على أن علمه غائب عن أهل السموات والأرض لم يطلع عليه أحد منهم " إلا كلمح البصر أو هو أقرب " أي هو عند الله وإن تراخى كما تقولون أنتم في الشيء الذي تستقربونه : هو كلمح البصر أو هو أقرب إذا بالغتم في استقرابه . ونحوه قوله : " ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون " الحج : 47 ، أي هو عنده دان وهو عندكم بعيد . وقيل : المعنى أن إقامة الساعة وإماتة الأحياء وإحياء الأموات من الأولين والآخرين يكون في أقرب وقت وأوحاه " إن الله على كل شيء قدير " فهو يقدر على أن يقيم الساعة ويبعث الخلق لأنه بعض المقدورات . ثم دل على قدرته بما بعده .
" والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون " .
قرئ أمهاتكم بضم الهمزة وكسرها والهاء مزيدة في أمات كما زيدت في أراق فقيل : أهراق . وشذت زيادتها في الواحدة قال : .
أمهتني خندف وإلياس أبي .
" لا تعلمون شيئا " في موضع الحال . ومعناه : غير عالمين شيئا من حق المنعم الذي خلقكم في البطون وسواكم وصوركم ثم أخرجكم من الضيق إلى السعة . وقول : " وجعل لكم " معناه : وما ركب فيكم هذه الأشياء إلا آلات لإزالة الجهل الذي ولدتم عليه واجتلاب العلم والعمل به من شكر المنعم وعبادته والقيام بحقوقه والترقي إلى ما يسعدكم . والأفئدة في فؤاد كالأغربة في غراب وهو من جموع القلة التي جرت مجرى جموع الكثرة والقلة إذا لم يرد في السماع غيرها كما جاء شسوع في جمع شسع لا غير فجرت ذلك المجرى .
" ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون " .
قرئ : ألم يروا بالتاء والياء " مسخرات " مذللات للطيران بما خلق لها من الأجنحة والأسباب المواتية لذلك . والجو : الهواء المتباعد من الأرض في سمت العلو والسكاك أبعد منه واللوح مثله " ما يمسكهن " في قبضهن وبسطهن ووقوفهن " إلا الله " بقدرته .
" والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين "