" إنما هم إخوانكم فاكسوهم مما تلبسون وأطعموهم مما تطعمون " فما رؤي عبده بعد ذلك إلا ورداؤه رداؤه وإزاره إزاره من غير تفاوت " أفبنعمة الله يجحدون " فجعل ذلك من جملة جحود النعمة . وقيل : هو مثل ضربه الله للذين جعلوا له شركاء فقال لهم : أنتم لا تسؤون بينكم وبين عبيدكم فيما أنعمت به عليكم ولا تجعلونهم . فيه شركاء ولا ترضون ذلك لأنفسكم فكيف رضيتم أن تجعلوا عبيدي لي شركاء . وقيل المعنى أن الموالي والمماليك أنا رازقهم جميعا فهم في رزقي سواء فلا تحسبن الموالي أنهم يردون على مماليكهم من عندهم شيئا من الرزق . فإنما ذلك رزقي أجريه إليهم على أيديهم . وقرئ : يجحدون بالتاء والياء .
" والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون " .
" من أنفسكم " من جنسكم . وقيل : هو خلق حواء من ضلع آدم . والحفدة : جمع حافد وهو الذي يحفد أي يسرع في الطاعة والخدمة . ومنه قول القانت . وإليك نسعى ونحفد وقال : .
حفد الولائد بينهن وأسلمت ... بأكفهن أزمة الأجمال .
واختلف فيهم فقيل : هم الأختان على البنات وقيل : أولاد الأولاد وقيل : أولاد المرأة من الزوج الأول وقيل : المعنى وجعل لكم حفدة أي خدما يحفدون في مصالحكم ويعينونكم ويجوز أن يراد بالحفدة : البنون أنفسهم كقوله : " سكرا ورزقا حسنا " النحل : 67 ، كأنه قيل وجعل لكم منهن أولادا هم بنون وهم حافدون أي جامعون بين الأمرين " من الطيبات " يريد بعضها لأن كل الطيبات في الجنة وما طيبات الدنيا إلا أنموذج منها " أفبالباطل يؤمنون " وهو ما يعتقدون من منفعة الأصنام وبركتها وشفاعتها . وما هو إلا وهم باطل لم يتوصلوا إليه بدليل ولا أمارة فليس لهم إيمان إلا به كأنه شيء معلوم مستيقن . ونعمة الله المشاهدة المعاينة التي لا شبهة فيها لذي عقل وتمييز : هم كافرون بها منكرون لها كما ينكر المحال الذي لا يتصوره العقول . وقيل : الباطل يسول لهم الشيطان من تحريم البحيرة والسائبة وغيرهما . ونعمة الله : ما أحل لهم .
" ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السموات والأرض شيئا ولا يستطيعون " .
الرزق يكون بمعنى المصدر وبمعنى ما يرزق فإن أردت المصدر نصبت به " شيئا " كقوله " أو إطعام... يتيما " البلد : 14 ، على لا يملك أن يرزق شيئا . وإن أردت المرزوق كان شيئا بدلا منه بمعنى قليلا ويجوز أن يكون تأكيدا للا يملك : أي لا يملك شيئا من الملك . و " من السموات والأرض " صلة للرزق إن كان مصدرا بمعنى : لا يرزق من السموات مطرا ولا من الأرض نباتا . أو صفة إن كان اسما لما يرزق . والضمير في " ولا يستطيعون " لما لأنه في معنى الآلهة بعد ما قيل " لا يملك " على اللفظ . ويجوز أن يكون للكفار يعني : ولا يستطيع هؤلاء مع أنهم أحياء متصرفون أولو ألباب من ذلك شيئا فكيف بالجماد الذي لا حس به . فإن قلت : ما معنى قوله : " ولا يستطيعون " بعد قوله " لا يملك " ؟ وهل هما إلا شيء واحد ؟ قلت : ليس في إلا يستطيعون تقدير راجع وإنما المعنى : لا يملكون أن يرزقوا والاستطاعة منفية عنهم أصلا لأنهم موات إلا أن يقدر الراجع ويراد بالجمع بين نفي الملك والاستطاعة للتوكيد أو يراد : أنهم لا يملكون الرزق ولا يمكنهم أن يملكوه ولا يتأتى ذلك منهم ولا يستقيم .
" فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون " .
" فلا تضربوا لله الأمثال " تمثيل للإشراك بالله والتشبيه به لأن من يضرب الأمثال مشبه حالا بحال وقصة بقصة " إن الله يعلم " كنه ما تفعلون وعظمه وهو معاقبكم عليه بما يوازيه في العظم لأن العقاب على مقدار الإثم " وأنتم لا تعلمون " كنهه وكنه عقابه فذاك هو الذي جزكم إليه وجرأكم عليه فهو تعليل للنهي عن الشرك . ويجوز أن يراد : فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم كيف يضرب الأمثال وأنتم لا تعلمون .
" وضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون "