" يجعلون لله ما يكرهون " لأنفسهم من البنات ومن شركاء في رياستهم ومن الاستخفاف برسلهم والتهاون برسالاتهم . ويجعلون له أرذل أموالهم ولأصنامهم أكرمها " وتصف ألسنتهم " مع ذلك " أن لهم الحسنى " عند الله كقوله " ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى " فصلت 50 ، وعن بعضهم أنه قال لرجل من ذوي اليسار : كيف تكون يوم القيامة إذا قال الله تعالى : هاتوا ما دفع إلى السلاطين وأعوانهم فيؤتى بالدواب والثياب وأنواع الأموال الفاخرة . وإذا قال : هاتوا ما دفع إلي فيؤتى بالكسر والخرق وما لا يؤبه له أما تستحي من ذلك الموقف ؟ وقرأ هذه الآية وعن مجاهد : أن لهم الحسنى . هو قول قريش : لنا البنون وأن لهم الحسنى : بدل من الكذب . وقرئ الكذب جمع كذوب صفة للألسنة " مفرطون " قرئ مفتوح الراء ومكسورها مخففا ومشددا فالمفتوح بمعنى مقدمون إلى النار معجلون إليها من أفرطت فلانا وفرطته في طلب الماء إذا قدمته . وقيل منسيون متروكون من أفرطت فلانا خلفي إذا خلفته ونسيته . والمكسور المخفف من الإفراط في المعاصي . والمشدد . من التفريط في الطاعات وما يلزمهم .
" تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم " .
" فهو وليهم اليوم " حكاية الحال الماضية التي كان يزين لهم الشيطان أعمالهم فيها . أو فهو وليهم في الدنيا فجعل اليوم عبارة عن زمان الدنيا . ومعنى " وليهم " قرينهم وبئس القرين . أو يجعل " فهو وليهم اليوم " حكاية للحال الآتية وهي حال كونهم معذبين في النار أي فهو ناصرهم اليوم لا ناصر لهم غيره نفيا للناصر لهم على أبلغ الوجوه ويجوز أن يرجع الضمير إلى مشركي قريش وأنه زين للكفار قبلهم أعمالهم فهو ولي وهؤلاء : لأنهم منهم . ويجوز أن يكون على حذف المضاف أي : فهو ولي أمثالهم اليوم .
" وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآية لقوم يسمعون " .
" وهدى ورحمة " معطوفان على محل " لتبين " إلا أنهما انتصبا على أنهما معفول لهما لأنهما فعلا الذي أنزل الكتاب . ودخل اللام على لتبين : لأنه فعل المخاطب لا فعل المنزل . وإنما ينتصب مفعولا له ما كان فعل فاعل الفعل المعل . والذي اختلفوا فيه : البعث لأنه كان فيهم من يؤمن به ومنهم عبد المطلب وأشياء من التحريم والإنكار والإقرار " لقوم يسمعون " سماع إنصاف وتدبر لأن من لم يسمع بقلبه فكأنه أصم لا يسمع .
" وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين " .
ذكر سيبويه الأنعام في باب ما لا ينصرف في الأسماء المفردة الواردة على أفعال كقولهم : ثوب أكياش ولذلك رجع الضمير إليه مفردا . وأما " في بطونها " المؤمنون : 21 ، في سورة المؤمنين : فلأن معناه الجمع . ويجوز أن يقال في الأنعام وجهان أحدهما : أن يكون تكثير نعم كأجبال في جبل وأن يكون اسما مفردا مقتضيا لمعنى الجمع كنعم فإذا ذكر فكما يذكر أنعم في قوله : .
في كل عام نعم تحوونه ... يلفحه قوم وتنتجونه