وقرئ : تجرون بطرح الهمزة وإلقاء حركتها على الجيم . وقرأ قتادة كاشف الضر على : فاعل بمعنى فعل وهو أقوى من كشف لأن بناء المغالبة يدل على المبالغة . فإن قلت : فما معنى قوله : " إذا فريق منكم بربهم يشركون " ؟ قلت : يجوز أن يكون الخطاب في قوله : " وما بكم من نعمة فمن الله " عاما ويريد بالفريق : فريق الكفرة وأن يكون الخطاب للمشركين ومنكم للبيان لا للتبعيض كأنه قال فإذا فريق كافر وهم أنتم . ويجوز أن يكون فيهم من اعتبر كقوله " فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد " لقمان : 32 ، " ليكفروا بما آتيناهم " من نعمة الكشف عنهم كأنهم جعلوا غرضهم في الشرك كفران النعمة " فتمتعوا فسوف تعلمون " تخلية ووعيد . وقرئ : فيمتعوا بالياء مبنيا للمفعول عطفا على " ليكفروا " ويجوز أن يكون : ليكفروا فيمتعوا من الأمر الوارد في معنى الخذلان والتخلية واللام لام الأمر .
" ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم تالله لتسألن عما كنتم تفترون " .
" لما لا يعلمون " أي لآلهتهم . ومعنى لا يعلمونها : أنه يسمونها آلهة ويعتقدون فيها أنها تضر وتنفع وتشفع عند الله وليس كذلك . وحقيقتها أنها جماد لا يضر ولا ينفع فهم إذا جاهلون بها وقيل : الضمير في " لا يعلمون " للآلهة . أي : لأشياء غير موصوفة بالعلم ولا تشعر اجعلوا لها نصيبا في أنعامهم وزروعهم أم لا ؟ وكانوا يجعلون لهم ذلك تقربا إليهم " لتسألن " وعيد " عما كنتم تفترون " من الإفك في زعمكم أنها آلهة وأنها أهل للتقرب إليها .
" ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوراى عن القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون " .
كانت خزاعة وكنانة تقول : الملائكة بنات الله " سبحانه " تنزيه لذاته من نسبة الولد إليه . أو تعجب من قولهم " ولهم ما يشتهون " يعني البنين . ويجوز في " ما يشتهون " الرفع على الابتداء والنصب على أن يكون معطوفا على البنات أي : وجعلوا لأنفسهم ما يشتهون من الذكور . و " ظل " بمعنى صار كما يستعمل بات وأصبح وأمسى بمعنى الصيرورة . ويجوز أن يجيء ظل لأن أكثر الوضع يتفق بالليل فيظل نهاره مغتما مربد الوجه من الكآبة والحياء من الناس " وهو كظيم " مملوء حنقا على المرأة " يتوارى من القوم " يستخفي منهم " من " أجل " سوء " المبشر به ومن أجل تعييرهم ويحدث نفسه وينظر أيمسك ما بشر به " على هون " على هوان وذل " أم يدسه في التراب " أم يئده . وقرئ : أيمسكها على هون أم يدسها على التأنيث . وقرئ : على هوان ألا ساء ما يحكمون " حيث يجعلون الولد الذي هذا محله عندهم لله ويجعلون لأنفسهم من هو على عكس هذا الوصف .
" للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم " .
" مثل السوء " صفة السوء : وهي الحاجة إلى الأولاد الذكور وكراهة الإناث ووأدهن خشية الإملاق وإقرارهم على أنفسهم بالشح البالغ " ولله المثل الأعلى " وهو الغني عن العالمين والنزاهة عن صفات المخلوقين وهو الجواد الكريم .
" ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون " .
" بظلمهم " بكفرهم ومعاصيهم " ما ترك عليها " أي على الأرض " من دابة " قط ولأهلكها كلها بشؤم ظلم الظالمين . وعن أبي هريرة : أنه سمع رجلا يقول : إن الظالم لا يضر إلا نفسه فقال : بلى والله حتى أن الحباري لتموت في وكرها بظلم الظالم . وعن ابن مسعود : كاد الجعل يهلك في جحره بذنب ابن آدم . أو من دابة ظالمة . وعن ابن عباس " من دابة " من مشرك يدب عليها . وقيل : لو أهلك الآباء بكفرهم لم تكن الأبناء .
" يجعلون لله ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون "