" من دابة " يجوز أن يكون بيانا لما في السموات وما في الأرض جميعا على أن في السموات خلقا لله يدبون فيها كما يدب الأناسي في الأرض وأن يكون بيانا لما في الأرض وحده ويراد بما في السموات : الخلق الذي يقال له الروح وأن يكون بيانا لما في الأرض وحده ويراد بما في السموات : الملائكة وكرر ذكرهم على معنى : والملائكة خصوصا من بين الساجدين لأنهم أطوع الخلق وأعبدهم . ويجوز أن يراد بما في السموات : ملائكتهن . وبقوله والملائكة : ملائكة الأرض من الحفظة وغيرهم فإن قلت : سجود المكلفين مما انتظمه هذا الكلام خلاف سجود غيرهم فكيف عبر عن النوعين بلفظ واحد ؟ قلت : المراد بسجود المكلفين : طاعتهم وعبادتهم وبسجود غيرهم : انقياده لإرادة الله وأنها غير ممتنعة عليها وكلا السجودين يجمعها معنى الانقياد فلم يختلفا فلذلك جاز أن يعبر عنهما بلفظ واحد . فإن قلت : فهلا جيء بمن دون ما تغليبا للعقلاء من الدواب على غيرهم ؟ قلت : لأنه لوجيء بمن لم يكن فيه دليل على التغليب فكان متناولا للعقلاء خاصة فجيء بما هو صالح للعقلاء وغيرهم إرادة العموم " يخافون " يجوز أن يكون حالا من الضمير في " لا يستكبرون " أي : لا يستكبرون خائفين وأن يكون بيانا لنفي الاستكبار وتأكيدا له لأن من خاف الله لم يستكبر عن عبادته " من فوقهم " إن علقته بيخافون فمعناه : يخافونه أن يرسل عليهم عذابا من فوقهم وإن علقته بربهم حالا منه فمعناه : يخافون ربهم عاليا لهم قاهرا كقوله " وهو القاهر فوق عباده " الأنعام : 18 ، 61 ، " وإنا فوقهم قاهرون " الأعراف : 127 ، وفيه دليل على أن الملائكة مكلفون مدارون على الأمر والنهي والوعد والوعيد كسائر المكلفين وأنهم بين الخوف والرجاء .
" وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون " .
فإن قلت : إنما جمعوا بين العدد والمعدود فيما وراء الواحد والاثنين فقالوا عندي رجال ثلاثة وأفراس أربعة لأن المعدود عار عن الدلالة على العدد الخاص . وأما رجل ورجلان وفرس وفرسان فمعدودان فيهما دلالة على العدد فلا حاجة إلى أن يقال : رجل واحد ورجلان اثنان فما وجه قوله إلهين اثنين ؟ قلت : الاسم الحامل لمعنى الإفراد والتثنية دال على شيئين : على الجنسية والعدد المخصوص فإذا أريدت الدلالة على أن المعنى به منهما والذي يساق إليه الحديث هو العدد شفع بما يؤكده فدل به على القصد إليه والعناية به . ألا ترى أنك لو قلت : إنما هو إله ولم تؤكده بواحد : لم يحسن وخيل أنك تثبت الإلهية لا الوحدانية " فإياي فارهبون " نقل للكلام عن الغيبة إلى التكلم وجاز لأن الغالب هو المتكلم وهو من طريقة الالتفات وهو أبلغ في الترهيب من قوله : وإياه فارهبوه ومن أن يجيء ما قبله على لفظ المتكلم .
" وله ما في السموات والأرض وله الدين واصبا أفغير الله تتقون " .
" الدين " الطاعة " واصبا " حال عمل فيه الظرف . والواصب : الواجب الثابت ؟ لأن كل نعمة منه فالطاعة واجبة له على كل منعم عليه . ويجوز أن يكون من الوصب أي : وله الدين ذا كلفة ومشقة ولذلك سمي تكليفا . أو : وله الجزاء ثابتا دائما سرمدا لا يزول يعني الثواب والعقاب .
" وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجرءون ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون " .
" وما بكم من نعمة " وأفي شيء حل بكم أو اتصل بكم من نعمة فهو من الله " فإليه تجرءون " فما تتضرعون إلا إليه والجؤار : رفع الصوت بالدعاء والاستغاثة . قال الأعشى يصف راهبا : .
يراوح من الصلوات الملي ... ك طورا سجودا وطورا جؤارا