قالت قريش : الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا فقيل " " وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم " على ألسنة الملائكة " فسألوا أهل الذكر " وهم أهل الكتاب ليعلموكم أن الله لم يبعث إلى الأمم السالفة إلا بشرا . فإن قلت : بم تعلق قوله " بالبينات " ؟ قلت : له متعلقات شتى فأما أن يتعلق بما أرسلنا داخلا تحت حكم الاستثناء مع رجالا أي : وما أرسلنا إلا رجالا بالبينات كقولك : ما ضربت إلا زيدا بالسوط ؟ لأن أصله : ضربت زيدا بالسوط وإما برجالا صفة له : أي رجالا ملتبسين بالبينات . وإما بأرسلنا مضمرا كأنما قيل : بما أرسلوا ؟ فقلت : بالبينات فهو على كلامين والأول على كلام واحد وإما بيوحي أي : يوحي إليهم بالبينات . وإما بلا تعلمون على أن الشرط في معنى التبكيت والإلزام كقول الأجير : إن كنت عملت لك فأعطني حقي . وقوله : " فسألوا أهل الذكر " اعتراض على الوجوه المتقدمة وأهل الذكر : أهل الكتاب . وقيل للكتاب الذكر ؟ لأنه موعظة وتنبيه للغافلين " ما نزل إليهم " يعني ما نزل الله إليهم في الذكر مما أمروا به ونهوا عنه ووعدوا وأوعدوا " لعلهم يتفكرون " وإرادة أن يصغوا إلى تنبيهاته فيتنبهوا ويتأملوا .
" أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرؤوف رحيم " .
" مكروا السيئات " أي المكرات السيئات وهم أهل مكة وما مكروا به رسول الله A " في تقلبهم " متقلبين في مسايرهم ومتاجرهم وأسباب دنياهم " على تخوف " متخوفين وهو أن يهلك قوما قبلهم فيتخوفوا فيأخذهم بالعذاب وهم متخوفون متوقعون وهو خلاف قوله " من حيث لا يشعرون " وقيل : هو من قولك : تخوفنه وتخونته إذا تنقصته قال زهير : .
تخوف الرحل منها تامكا قردا ... كما تخوف عود النبعة السفن .
أي يأخذهم على أن يتنقصهم شيئا بعد شيء في أنفسهم وأموالهم حتى يهلكوا . وعن عمر Bه . أنه قال على المنبر : ما تقولون فيها ؟ فسكتوا فقام شيخ من هذيل فقال : هذه لغتنا : التخوف التنقص . قال : فهل تعرف العرب ذلك في أشعارها ؟ قال : نعم قال شاعرنا . وأنشد البيت . فقال عمر : أيها الناس عليكم بديوانكم لا يضل . قالوا : وما ديواننا ؟ قال : شعر الجاهلية فإن فيه تفسير كتابكم " فإن ربكم لرؤوف رحيم " حيث يحلم عنكم ولا يعاجلكم مع استحقاقكم .
" أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيؤوا ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون " .
قرئ : أو لم يروا ويتفيؤوا بالياء والتاء . وما موصولة بخلق الله وهو مبهم بيانه " من شيء يتفيؤوا ظلاله " واليمين بمعنى الأيمان . و " سجدا " حال من الظلال . " وهم داخرون " حال من الضمير في ظلاله لأنه في معنى الجمع وهو ما خلق الله من كل شيء له ظل وجمع بالواو لأن الدخور من أوصاف العقلاء أو لأن في جملة ذلك من يعقل فغلب . والمعنى : أو لم يروا إلى ما خلق الله من الأجرام التي لها ظلال متفيئة عن إيمانها وشمائلها أي عن جانبي كل واحد منها . وشقيه استعارة من يمين الإنسان وشماله لجانبي الشيء أي : ترجع الظلال من جانب إلى جانب منقادة لله غير ممتنعة عليه فيما سخرها . له من التفيؤ والأجرام في أنفسها داخرة أيضا صاغرة منقادة لأفعال الله فيها لا تمتنع .
" ولله يجد ما في السموات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون "