" وأقسموا بالله " معطوف على " وقال الذين أشركوا " النحل : 35 ، إيذانا بأنهما كفرتان عظيمتان موصوفتان حقيقتان بأن تحكيا وتدونا : توريك ذنوبهم على مشيئة الله وإنكارهم البعث مقسمين عليه . و " بلى " إثبات لما بعد النفي أي : بلى يبعثهم . ووعد الله : مصدر مؤكد لما دل عليه بلى لأن يبعث موعد من الله وبين أن الوفاء بهذا الموعد حق واجب عليه في الحكمة " ولكن أكثر الناس لا يعلمون " أنهم يبعثون أو أنه وعد واجب على الله ؟ لأنهم يقولون : لا يجب على الله شيء لا ثواب عامل ولا غيره من مواجب الحكمة " ليبين لهم " متعلق بما دل عليه " بلى " أي يبعثهم ليبين لهم . والضمير لمن يموت وهو عام للمؤمنين والكافرين والذين اختلفوا فيه هو الحق " وليعلم الذين كفروا " كذبوا في قولهم : لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء وفي قولهم : لا يبعث الله من يموت . وقيل : يجوز أن يتعلق بقوله : " ولقد بعثنا في كل أمة رسولا " النحل : 36 ، أي بعثناه ليبين لهم ما اختلفوا فيه وأنهم كانوا على الضلالة قبله مفترين على الله الكذب .
" إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون " .
" قولنا " مبتدأ و " أن نقول " خبره . " كن فيكون " من كان التامة التي بمعنى الحدوث والوجود أي : إذا أردنا وجود شيء فليس إلا أن نقول له : احدث فهو يحدث عقيب ذلك لا يتوقف وهذا مثل لأن مرادا لا يمتنع عليه وإن وجوده عند إرادته تعالى غير متوقف . كوجود المأمور به عند أمر الآمر المطاع إذا ورد على المأمور المطيع الممتثل ولا قول ثم . والمعنى : أن إيجاد كل مقدور على الله تعالى بهذه السهولة فكيف يمتنع عليه البعث الذي هو من شق المقدورات . وقرئ : فيكون عطفا على " نقول " .
" والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوأنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعملون الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون " .
" والذين هاجروا " هم رسول الله A وأصحابه ظلمهم أهل مكة ففروا بدينهم إلى الله منهم من هاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة فجمع بين الهجرتين . ومنهم من هاجر إلى المدينة . وقيل : هم الذين كانوا محبوسين معذبين بعد هجرة رسول الله A وكلما خرجوا تبعوهم فردوهم : منهم بلال وصهيب وخباب وعمار . وعن صهيب أنه قال لهم : أنا رجل كبير إن كنت معكم لم أنفعكم وإن كنت عليكم لم أضركم فافتدى منهم بماله وهاجر فلما رآه أبو بكر Bه قال له : ربح البيع يا صهيب . وقال له عمر : نعم الرجل صهيب لو لم يخف الله لم يعصه وهو بناء عظيم : يريد لو لم يخلق الله نارا لأطاعه فكيف " في الله " في حقه ولوجهه " حسنة " صفة للمصدر أي لنبوأنهم تبوئة حسنة . وفي قراءة علي Bه . لنثوينهم ومعناه : أثوأة حسنة . وقيل : لننزلنهم في الدنيا منزلة حسنة وهي الغلبة على أهل مكة الذين ظلموهم وعلى العرب قاطبة وعلى أهل المشرق والمغرب . وعن عمر Bه أنه كان إذا أعطى رجلا من المهاجرين عطاء قال : خذ بارك الله لك فيه هذا ما وعدك ربك في الدنيا . وما ذخر لك في الآخرة أكثر وقيل : لنبوأنهم مباءة حسنة وهي المدينة حيث آواهم أهلها ونصروهم " لو كانوا يعلمون " الضمير للكفار أي : لو علموا أن الله يجمع لهؤلاء المستضعفين في أيديهم الدنيا والآخرة لرغبوا في دينهم . ويجوز أن يرجع الضمير إلى المهاجرين أي : لو كانوا يعلمون ذلك لزادوا في اجتهادهم وصبرهم " الذين صبروا " على هم الذين صبروا . أو أعني الذين صبروا وكلاهما مدح أي : صبروا على العذاب وعلى مفارقة الوطن الذي هو حرم الله المحبوب في كل قلب فكيف بقلوب قوم هو مسقط رؤسهم وعلى المجاهدة وبذل الأرواح في سبيل الله .
" وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر وأرسلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون "