" تأتيهم الملائكة " قرئ بالتاء والياء يعني : أن تأتيهم لقبض الأرواح . و " أمر ربك " العذاب المستأصل أو القيامة " كذلك " أي مثل ذلك الفعل من الشرك والتكذيب " فعل الذين من قبلهم وما ظلمهم الله " بتدميرهم " ولكن كانوا أنفسهم يظلمون " لأنهم فعلوا ما استوجبوا به التدمير " سيئات ما عملوا " جزاء سيئات أعمالهم . أو هم كقوله " وجزاء سيئة سيئة مثلها " الشورى : 140 .
" وقال الذينأشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا دونه من شيء كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلاغ المبين " .
هذا من جملة ما عدد من أصناف كفرهم وعنادهم من شركهم بالله وإنكار وحدانيته بعد قيام الحجج وإنكار البعث واستعجاله استهزاء منهم به وتكذيبهم الرسول وشقاقهم واستكبارهم عن قبول الحق يعني : أنهم أشركوا بالله وحرموا ما أحل الله من البحيرة السائبة وغيرهما ثم نسبوا فعلهم إلى الله وقالوا : لو شاء لم نفعل وهذا مذهب المجبرة بعينه " كذلك فعل الذين من قبلهم " أي أشركوا وحرموا حلال الله فلما نبهوا على قبح فعلهم وركوه على ربهم " فهل على الرسل " إلا أن يبلغوا الحق وأن الله لا يشاء الشرك والمعاصي بالبيان والبرهان ويطلعوا على بطلان الشرك وقبحه وبراءة الله تعالى من أفعال العباد وأنهم فاعلوها بقصدهم وإرادتهم واختيارهم والله تعالى باعثهم على جميلها وموفقهم له وزاجرهم عن قبيحها وموعدهم عليه .
" ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله اجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين " .
ولقد أمد إبطال قدر السوء ومشيئة الشر بأنه ما من أمة إلا وقد بعث فيهم رسولا يأمرهم بالخير الذي هو الإيمان وعبادة الله وباجتناب الشر الذي هو طاعة الطاغوت " فمنهم من هدى الله " أي لطف به لأنه عرفه من أهل اللطف " ومنهم من حقت عليه الضلالة " أي ثبت عليه الخذلان والترك من اللطف لأنه عرفه مصمما على الكفر لا يأتي منه خير " فسيروا في الأرض فانظروا " ما فعلت بالمكذبين حتى لا يبقى لكم شبهة في أني لا أقدر الشر ولا أشاؤه حيث أفعل ما أفعل بالأشرار .
" إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين " .
ثم ذكر عناد قريش وحرص رسول الله A على إيمانهم وعرفه أنهم من قسم من حقت عليه الضلالة وأنه " لا يهدي من يضل " أي لا يلطف بمن يخذل لأنه عبث والله تعالى متعال عن العبث لأنه من قبيل القبائح التي لا تجوز عليه . وقرئ : لا يهدى أي : لا تقدر أنت ولا أحد على هدايته وقد خذله الله . وقوله " وما لهم من ناصرين " دليل على أن المراد بالإضلال الخذلان الذي هو نقيض النصرة . ويجوز أن يكون " لا يهدي " بمعنى لا يهتدي . يقال : هداه الله فهدي . وفي قراءة أبي فإن الله لا هادي لمن يضل ولمن أضل وهي معاضدة لمن قرأ لا يهدي على البناء للمفعول . وفي قراءة عبد الله . يهدي بإدغام تاء يهتدي وهي معاضدة للأولى . وقرئ يضل بالفتح . وقرأ النخعي : إن تحرص بفتح الراء وهي لغية .
" وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين "