والمعنى : هلا تأتينا بالملائكة يشهدون بصدقك ويعضدونك على إنذارك كقوله تعالى " لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا " الفرقان : 7 ، أو : هلا تأتينا بالملائكة للعقاب على تكذيبنا لك إن كنت صادقا كما كانت تأتي الأمم المكذبة برسلها ؟ " ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين " .
قرئ : تنزل بمعنى تتنزل وتنزل على البناء للمفعول من نزل و " ننزل الملائكة " : بالنون ونصب الملائكة " إلا بالحق " إلا تنزلا ملتبسا بالحكمة والمصلحة ولا حكمة في أن تأتيكم عيانا تشاهدونهم ويشهدون لكم بصدق النبي A لأنكم حينئذ مصدقون عن اضطرار ومثله قوله تعالى " وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق " الحجر : 85 ، وقيل : الحق الوحي أو العذاب . وإذا جواب وجزاء لأنه جواب لهم وجزاء لشرط مقدر تقديره : ولو نزلنا الملائكة ما كانوا منظرين وما أخر عذابهم .
" إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " .
" إنا نحن نزلنا الذكر " رد لإنكارهم واستهزائهم في قولهم : " يا أيها الذي نزل عليه الذكر " الحجر : 6 ، ولذلك قال : إنا نحن فأكد عليهم أنه هو المنزل على القطع والبتات وأنه هو الذي بعث به جبريل إلى محمد A وبين يديه ومن حلفه رصد حتى نزل وبلغ محفوظا من الشياطين وهو حافظه في كل وقت من كل زيادة ونقصان وتحريف وتبديل بخلاف الكتب المتقدمة فإنه لم يتول حفظها . وإنما استحفظها الربانيين والأحبار فاختلفوا فيما بينهم بغيا فكان التحريف ولم يكل القرآن إلى غير حفظه . فإن قلت : فحين كان قوله " إنا نحن نزلنا الذكر " ردا لإنكارهم واستهزائهم فكيف اتصل به قوله " وإنا له لحافظون " ؟ قلت : قد جعل ذلك دليلا على أنه منزل من عنده آية لأنه لو كان من قول البشر أو غير آية لتطرق عليه الزيادة والنقصان كما يتطرق على كل كلام سواه . وقيل : الضمير في له لرسول الله في كقوله تعالى " والله يعصمك " المائدة : 67 .
" ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون " .
" في شيع الأولين " في فرقهم وطوائفهم . والشيعة : الفرقة إذا اتفقوا على مذهب وطريقة . ومعنى أرسلناه فيهم : نبأناه فيهم وجعلناه رسولا فيما بينهم " وما يأتيهم " حكاية حال ماضية لأن ما لا تدخل على مضارع إلا وهو في معنى الحال ولا على ماض إلا وهو قريب من الحال .
" كذلك نسلكه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به وقد خلت سنة الأولين " .
يقال : سلكت الخيط في الإبرة وأسلكته إذا أدخلته فيها ونظمته . وقرئ : نسلكه والضمير للذكر أي : مثل ذلك السلك ونحوه : نسلك الذكر في " قلوب المجرمين " على معنى أنه يلقيه في قلوبهم مكذبا مستهزئا به غير مقبول كما لو أنزلت بلئيم حاجة فلم يجبك إليها فقلت : كذلك أنزلها باللئام تعني مثل هذا الإنزال أنزلها بهم مردودة غير مقضية . ومحل قوله " لا يؤمنون به " النصب على الحال أي غير مؤمن به أو هو بيان لقوله : " كذلك نسلكه " . " سنة الأولين " طريقتهم التي سنها الله في إهلاكهم حين كذبوا برسلهم وبالذكر المنزل عليهم وهو وعيد لأهل مكة على تكذيبهم .
" ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون " .
قرئ : يعرجون بالضم والكسر . و " سكرت " حيرت أو حبست من الإبصار من السكر أو السكر . وقرئ : سكرت بالتخفيف أي حبست كما يحبس النهر من الجري . وقرئ : سكرت من السكر أي حارت كما يحار السكران . والمعنى أن هؤلاء المشركين بلغ من غلوهم في العناد : . أن لو فتح لهم باب من أبواب السماء ويسر لهم معراج يصعدون فيه إليها ورأوا من العيان ما رأوا لقالوا : هو شيء نتخايله لا حقيقة له ولقالوا قد سحرنا محمد بذلك . وقيل : الضمير للملائكة أي : لو أريناهم الملائكة يصعدون في السماء عيانا لقالوا ذلك . وذكر الظلول ليجعل عروجهم بالنهار ليكونوا مستوضحين لما يرون . وقال : إنما ليدل على أنهم يبتون القول بأن ذلك ليس إلا تسكيرا للأبصار .
" ولقد جعلنا في السماء بروجها وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها نم كل شيء موزون وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين "