" تلك " إشارة إلى ما تضمنته السورة من الآيات . والكتاب والقرآن المبين : السورة . وتنكير القرآن للتفخيم . والمعنى : تلك آيات الكتاب الكامل في كونه كتابا وأي قرآن مبين ؟ كأنه قيل : الكتاب الجامع للكمال والغرابة في البيان .
" ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون " .
قرئ : ربما وربتما بالتشديد . وربما وربما بالضم والفتح مع التخفيف . فإن قلت : لم دخلت على المضارع وقد أبوا دخولها إلا على الماضي ؟ قلت : لأن المترقب في إخبار الله تعالى بمنزلة الماضي المقطوع به في تحققه فكأنه قيل : ربما ود . فإن قلت : متى تكون ودادتهم ؟ قلت : عند الموت أو يوم القيامة إذا عاينوا حالهم وحال المسلمين . وقيل : إذا رأوا المسلمين يخرجون من النار وهذا أيضا باب من الودادة . فإن قلت : فما معنى التقليل ؟ قلت : هو وارد على مذهب العرب في قولهم : لعلك ستندم على فعلك وربما ندم الإنسان على ما فعل ولا يشكون في تندمه ولا يقصدون تقليله ولكنهم أرادوا : ولو كان الندم مشكوكا فيه أو كان قليلا لحق عليك أن لا تفعل هذا الفعل لأن العقلاء يتحرزون من التعرض للغم المظنون كما يتحرزون من المتيقن ومن القليل منه كما من الكثير وكذلك المعنى في الآية : لو كانوا يودون الإسلام مرة واحدة فبالحري أن يسارعوا إليه فكيف وهم يودونه في كل ساعة " لو كانوا مسلمين " حكاية ودادتهم وإنما جيء بها على لفظ الغيبة لأنهم مخبر عنهم كقولك : حلف بالله ليفعلن . ولو قيل : حلف بالله لأفعلن ولو كنا مسلمين لكان حسنا سديدا وقيل : تدهشهم أهوال ذلك اليوم فيبقون مبهوتين فإن حانت منهم إفاقة في بعض الأوقات من سكرتهم تمنوا فلذلك قلل " ذرهم " يعني اقطع طمعك من ارعوائهم ودعهم عن النهي عما هم عليه والصد عنه بالتذكرة والنصيحة وخلهم " يأكلوا ويتمتعوا " بدنياهم وتنفيذ شهواتهم ويشغلهم أملهم وتوقعهم لطول الأعمار واستقامة الأحوال وأن لا يلقوا في العاقبة إلا خيرا " فسوف تعلمون " سوء صنيعهم . والغرض الإيذان بأنهم من أهل الخذلان وأنهم لا يجيء منهم إلا ما هم فيه وأنه لا زاجر لهم ولا واعظ إلا معاينة ما ينذرون به حين لا ينفعهم الوعظ ولا سبيل إلى اتعاظهم قبل ذلك فأمر رسوله بأن يخليهم وشأنهم ولا يشتغل بما لا طائل تحته وأن يبالغ في تخليتهم حتى يأمرهم بما لا يزيدهم إلا ندما في العاقبة . وفيه إلزام للحجة ومبالغة في الإنذار وإعذار فيه . وفيه تنبيه على أن إيثار التلذذ والتنعم وما يؤذي إليه طول الأمل . وهذه هجيرى أكثر الناس ليس من أخلاق المؤمنين وعن بعضهم : التمرغ في الدنيا من أخلاق الهالكين .
" وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم ما تسبق من أمة أجلها " .
" ولها كتاب " جملة واقعة صفة لقرية والقياس أن لا يتوسط الواو بينهما كما في قوله تعالى : " وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرين " الشعراء : 208 ، وإنما توسطت لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف كما يقال في الحال : جاءني زيد عليه ثوب وجاءني وعليه ثوب . كتاب " معلوم " مكتوب معلوم وهو أجلها الذي كتب في اللوح وبين ألا ترى إلى قوله " ما تسبق من أمة أجلها " في موضع كتابها وأنث الأمة أولا ثم ذكرها آخرا حملا على اللفظ والمعنى وقال : " وما يستأخرون " بحذف عنه لأنه معلوم .
" وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون " .
قرأ الأعمش : يا أيها الذي ألقي عليه الذكر وكأن هذا النداء منهم على وجه الاستهزاء كما قال فرعون " إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون " الشعراء : 27 ، وكيف يقرون بنزول الذكر عليه وينسبونه إلى الجنون . والتعكيس في كلامهم للاستهزاء والتهكم مذهب واسع . وقد جاء في كتاب الله في مواضع منها " فبشرهم بعذاب أليم " آل عمران : 21 ، " إنك لأنت الحليم الرشيد " هود : 87 ، وقد يوجد كثيرا في كلام العجم والمعنى : إنك لتقول قول المجانين حين تدعي أن الله نزل عليك الذكر .
" لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين " .
" لو " ركبت مع لا وما لمعنيين : معنى امتناع الشيء لوجود غيره ومعنى التحضيض وأما هل فلم تركب إلا مع لا وحدها للتحضيض : قال ابن مقبل : .
لوما الحياء ولوما الدين عبتكما ... ببعض ما فيكما إذ عبتما عوري