المقول محذوف لأن جواب " قل " يدل عليه وتقديره " " قل لعبادي الذين آمنوا " أقيموا الصلاة وأنفقوا " يقيموا الصلاة وينفقون " وجوزوا أن يكون يقيموا وينفقوا بمعنى : ليقيموا ولينفقوا ويكون هذا هو المقول قالوا : وإنما جاز حذف اللام لأن الأمر الذي هو " قل " عوض منه ولو قيل : يقيموا الصلاة وينفقوا ابتداء بحذف اللام لم يجز فإن قلت : علام انتصب " سرا وعلانية " ؟ قلت : على الحال أي : ذوي سر وعلانية بمعنى : مسرين ومعلنين . أو على الظرف أي وقتي سر وعلانية أو على المصدر أي : إنفاق سر وإنفاق علانية " و " المعنى : إخفاء المتطوع به من الصدقات والإعلان بالواجب . والخلال : المخالة . فإن قلت : كيف طابق الأمر بالإنفاق وصف اليوم بأنه " لا بيع فيه ولا خلال " قلت : من قبل أن الناس يخرجون أموالهم في عقود المعاوضات فيعطون بدلا ليأخذوا مثله وفي المكارمات ومهاداة الأصدقاء ليستجروا بهداياهم أمثالها أو خيرا منها . وأما الإنفاق لوجه الله خالصا كقوله : " وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى " الليل : 20 ، فلا يفعله إلا المؤمنون الخلص فبعثوا عليه ليأخذوا بدله في يوم لا بيع فيه ولا خلال أي : لا انتفاع فيه بمبايعة ولا بمخالة ولا بما ينفقون به أموالهم من المعاوضات والمكارمات وإنما ينتفع فيه بالإنفاق لوجه الله وقرئ : " لا بيع فيه ولا خلال " بالرفع .
" الله الذي خلق السموات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار " .
" الله " مبتدأ و " الذي خلق " خبره و " من الثمرات " بيان للرزق أي : أخرج به رزقا هو ثمرات . ويجوز أن يكون " من الثمرات " مفعول أخرج و " رزقا " حالا من المفعول أو نصبا على المصدر من أخرج لأنه في معنى رزق " بأمره " بقوله كمن " دائبين " يدأبان في سيرهما وإنارتهما ودرئهما الظلمات وإصلاحهما ما يصلحان من الأرض والأبدان والنبات " وسخر لكم الليل والنهار " يتعاقبان خلفة لمعاشكم وسباتكم " وآتاكم من كل ما سألتموه " من للتبعيض أي آتاكم بعض جميع ما سألتموه نظرا في مصالحكم . وقرئ : من كل بالتنوين وما سألتموه نفي ومحله النصب على الحال أي : آتاكم من جميع ذلك غير سائليه ويجوز أن تكون ما موصولة على : وآتاكم من كل ذلك ما احتجتم إليه ولم تصلح أحوالكم ومعايشكم إلا به فكأنكم سألتموه أو طلبتموه بلسان الحال " لا تحصوها " لا تحصروها ولا تطيقوا عدها وبلوغ آخرها هذا إذا أرادوا أن يعدوها على الإجمال . وأما التفصيل فلا يقدر عليه ولا يعلمه إلا الله " لظلوم " يظلم النعمة بإغفال شكرها " كفار " شديد الكفران لها . وقيل ظلوم في الشدة يشكو ويجزع كفار في النعمة يجمع ويمنع . والإنسان للجنس فيتناول الإخبار بالظلم والكفران من يوجدان منه .
" وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وابني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم "