ذكر قبض روح المؤمن فقال " ثم يعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه في قبره ويقولان له : من ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟ فيقول : ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فذلك قوله : " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت " " ويضل الله الظالمين " الذين لم يتمسكوا بحجة في دينهم وإنما اقتصروا على تقليد كبارهم وشيوخهم كما قلد المشركون آباءهم فقالوا : " إنا وجدنا آباءنا على أمة " الزخرف : 22 - 23 ، وإضلالهم في الدنيا أنهم لا يثبتون في مواقف الفتن وتزل أقدامهم أول شيء وهم في الآخرة أضل وأذل " ويفعل الله ما يشاء " أي ما توجبه الحكمة لأن مشيئة الله تابعة للحكمة من تثبيت المؤمنين وتأييدهم وعصمتهم عند ثباتهم وعزمهم ومن إضلال الظالمين وخذلانهم والتخلية بينهم وبين شأنهم عند زللهم .
" ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا واحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار وجعلوا لله أندادا ليضلوا عن سبيله قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار " .
" بدلوا نعمة الله " أي شكر نعمة الله " كفرا " لأن شكرها الذي وجب عليهم وضعوا مكانه كفرا فكأنهم غيروا الشكر إلى الكفر وبدلوه تبديلا ونحوه : " وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون " الواقعة : 82 ، أي شكر رزقكم حيث وضعتم التكذيب موضعه . ووجه آخر : وهو أنهم بدلوا نفس النعمة كفرا على أنهم لما كفروها سلبوها فبقوا مسلوبي النعمة موصوفين بالكفر حاصلا لهم الكفر بدل النعمة . وهم أهل مكة : أسكنهم الله حرمه وجعلهم قوام بيته وأكرمهم بمحمد A فكفروا نعمة الله بدل ما لزمهم من الشكر العظيم . أو أصابهم الله بالنعمة في الرخاء والسعة لإيلافهم الرحلتين فكفروا نعمته فضربهم بالقحط سبع سنين فحصل لهم الكفر بدل النعمة كذلك حين أسروا وقتلوا يوم بدر وقد ذهبت عنهم النعمة وبقي الكفر طوقا في أعناقهم وعن عمر رضي الله : هم الأفجران من قريش : بنو المغيرة وبنو أمية فأما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر . وأما بنو أمية فمتعوا حتى حين . وقيل : هم متنصرة العرب : جبلة بن الأيهم وأصحابه " واحلوا قومهم " ممن تابعهم على الكفر " دار البوار " دار الهلاك . وعطف " جهنم " على دار البوار عطف بيان قرئ : ليضلوا بفتح الياء وضمها . فإن قلت : الضلال والإضلال لم يكن غرضهم في اتخاذ الأنداد فما معنى اللام قلت : لما كان الضلال والإضلال نتيجة اتخاذ الأنداد كما كان الإكرام في قولك : جئتك لتكرمني نتيجة المجيء دخلته اللام وإن لم يكن غرضا على طريق التشبيه والتقريب " تمتعوا " إيذان بأنهم لانغماسهم في التمتع بالحاضر وأنهم لا يعرفون غيره ولا يريدونه مأمورون به قد أمرهم آمر مطاع لا يسعهم أن يخالفوه ولا يملكون لأنفسهم أمرا دونه وهو أمر الشهوة . والمعنى : إن دمتم على ما أنتم عليه من الامتثال لأمر الشهوة " فإن مصيركم إلى النار " ويجوز أن يراد الخذلان والتخلية ونحو " قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار " الزمر : 8 .
" قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقون مما رزقناهم سرا وعلانية من قبل أن يؤتى يوم لا بيع فيه ولا خلال "