" ولو أن قرآنا " جوابه محذوف كما تقول لغلامك : لو أني قمت إليك وتترك الجواب والمعنى : ولو أن قرانا " سيرت به الجبال " عن مقارها وزعزعت عن مضاجعها " أو قطعت به الأرض " حتى تتصدع وتتزايل قطعا " أو كلم به الموتى " فتسمع وتجيب لكان هذا القرآن لكونه غاية في التذكير ونهاية في الإنذار والتخويف كما قال : " لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله " الحشر : 21 ، هذا يعضد ما فسرت به قوله : " لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك " الرعد : 30 ، من إرادة تعظيم ما أوحى إلى رسول الله A من القرآن . وقيل : معناه ولو أن قرانا وقع به تسيير الجبال وتقطيع الأرض وتكليم الموتى وتنبيههم لما آمنوا به ولما تنبهوا عليه كقوله : " ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة " الأنعام : 111 ، الآية . وقيل : إن أبا جهل بن هشام قال لرسول الله A : سير بقرآنك الجبال عن مكة حتى تتسع لنا فنتخذ فيها البساتين والقطائع كما سخرت لداود عليه السلام إن كنت نبيا كما تزعم فلست بأهون على الله من داود . وسخر لنا به الريح لنركبها ونتجر إلى الشام ثم نرجع في يومنا فقد شق علينا قطع المسافة البعيدة كما سخرت لسليمان عليه السلام . أو ابعث لنا به رجلين أو ثلاثة ممن مات من آبائنا : منهم قصي بن كلاب فنزلت ومعنى تقطيع الأرض على هذا : قطعها بالسير مجاوزتها . وعن الفراء : هو متعلق بما قبله . والمعنى : وهم يكفرون بالرحمن " ولو أن قرآنا سيرت به الجبال " وما بينهما اعتراض وليس ببعيد من السداد . وقيل " قطعت به الأرض " شققت فجعلت أنهارا وعيونا " بل لله الأمر جميعا " على معنيين أحدهما : بل لله القدرة على كل شيء وهو قادر على الآيات التي اقترحوها ؟ إلا أن علمه بأن إظهارها مفسدة يصرفه . والثاني : بل لله أن يلجئهم إلى الإيمان وهو قادر على الالجاء لولا أنه بنى أمر التكليف على الاختيار . ويعضده قوله : " أفلم ييئس الذين آمنوا أن لو يشاء الله " يعني مشيئة الإلجاء والقسر " لهدى الناس جميعا " ومعنى " أفلم ييئس " أفلم يعلم . قيل : هي لغة قوم من النخع . وقيل إنما استعمل اليأس بمعنى العلم لتضمنه معناه لأن اليائس عن الشيء عالم بأنه لا يكون كما استعمل الرجاء في معنى الخوف والنسيان في معنى الترك لتضمن ذلك . قال سحيم بن وثيل الرياحي : .
أقول لهم بالشعب إذ ييسرونني ... ألم تيأسوا أني ابن فارس زهدم .
ويدل عليه أن عليا وابن عباس وجماعة من الصحابة والتابعين قرؤا : أفلم يتبين وهو تفسير أفلم ييئس وقيل : إنما كتبه الكاتب وهو ناعس مستوى السينات وهذا ونحوه مما لا يصدق في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وكيف يخفى مثل هذا حتى يبقى ثابتا بين دفتي الإمام . وكان متقلبا في أيدي أولئك الأعلام المحتاطين في دين الله المهيمنين عليه لا يغفلون عن جلائله ودقائقه خصوصا عن القانون الذي إليه المرجع والقاعدة التي عليها البناء وهذه والله فرية ما فيها مرية . ويجوز أن يتعلق " لو أن يشاء " بآمنوا على أو لم يقنط عن إيمان هؤلاء الكفرة الذين آمنوا بأن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ولهداهم " تصيبهم بما صنعوا " من كفرهم وسوء أعمالهم " قارعة " داهية تقرعهم بما يحل الله بهم في كل وقت من صنوف البلايا والمصائب في نفوسهم وأولادهم وأموالهم " أو تحل " القارعة " قريبا " منهم فيفزعون ويضطربون ويتطاير إليهم شرارها ويتعدى إليهم شرورها " حتى يأتي وعد الله " وهو موتهم أو القيامة . وقيل : ولا يزال كفار مكة تصيبهم بما صنعوا برسول الله A من العداوة والتكذيب قارعة لأن رسول الله A كان لا يزال يبعث السرايا فتغير حول مكة وتختطف منهم وتصيب من مواشيهم . أو تحل أنت يا محمد قريبا من دارهم بجيشك كما حل بالحديبية حتى يأتي وعد الله وهو فتح مكة وكان الله قد وعده ذلك .
" ولقد استهزأ برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم فكيف كان عقاب " .
الإملاء ؟ الإمهال وأن يترك ملاوة من الزمان في خفض وأمن كالبهيمة يملي لها في المرعى وهذا وعيد لهم وجواب عن اقتراحهم الآيات على رسول الله A استهزاء به . وتسلية له