" أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت وجعلوا لله شركاء قل سموهم أم تنبؤنه بما لا يعلم في الأرض أم بظاهر من القول بل زين للذين كفروا مكرهم وصدوا عن السبيل ومن يضلل الله فما له من هاد لهم عذاب في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أشق وما لهم من الله من واق " .
" أفمن هو قائم " احتجاج عليهم في إشراكهم بالله يعني أما الله الذي هو قائم رقيب " على كل نفس " صالحة أو طالحة " بما كسبت " يعلم خيره وشره ويعد لكل جزاءه كمن ليس كذلك . ويجوز أن يقدر ما يقع خبرا للمبتدأ ويعطف عليه وجعلوا وتمثيله : أفمن هو بهذه الصفة لم يوحدوه " وجعلوا " له وهو الله الذي يستحق العبادة وحده " شركاء قل سموهم " أي جعلتم له شركاء فسموهم له من هم ونبئوه بأسمائهم ثم قال : " أم تنبؤنه " على أم المنقطعة كقولك للرجل : قل لي من زيد أم هو أقل من أن يعرف ومعناه : بل اتنبؤونه بشركاء لا يعلمهم في الأرض وهو العالم بما في السموات والأرض فإذا لم يعلمهم علم أنهم ليسوا بشيء يتعلق به العلم والمراد نفي أن يكون له شركاء . ونحوه : " قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض " يونس : 18 ، " أم بظاهر القول " بل أتسمونهم شركاء بظاهر من القول من غير أن يكون لذلك حقيقة " ذلك قولهم أفواههم " التوبة : 30 ، " ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها " يوسف : 40 ، وهذا لاحتجاج وأساليبه العجيبة التي ورد عليها مناد على نفسه بلسان طلق ذلق : أنه ليس من كلام البشر لمن عرف وأنصف من نفسه فتبارك الله أحسن الخالقين . وقرئ : أتنبئونه بالتخفيف " مكرهم " كيدهم للإسلام بشركهم " وصدوا " قرئ بالحركات الثلاث . وقرأ ابن أبي إسحاق : وصد بالتنوين " من يضلل الله " ومن يخذله لعلمه أنه لا يهتدي " فما له من هاد " فما له من أحد يقدر على هدايته " لهم عذاب في الحياة الدنيا " وهو ما ينالهم من القتل والأسر وسائر المحن ولا يلحقهم إلا عقوبة لهم على الكفر ولذلك سماه عذابا " وما لهم من الله من واق " وما لهم من حافظ من عذابه . أو ما لهم من جهته واق من رحمته .
" مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار " .
" مثل الجنة " صفتها التي هي في غرابة المثل وارتفاعه بالابتداء والخبر محذوف على مذهب سيبويه أي فيما قصصناه عليكم مثل الجنة . وقال غيره : الخبر " تجري من تحتها الأنهار " كما تقول : صفة زيد أسمر وقال الزجاج : معناه مثل الجنة جنة تجري من تحتها الأنهار على حذف الموصوف تمثيلا لما غاب عنا بما نشاهد . وقرأ علي Bه أمثال الجنة على الجمع أي صفاتها " أكلها دائم " كقوله " لا مقطوعة ولا ممنوعة " الواقعة : 33 ، " وظلها " دائم لا ينسخ كما ينسخ في الدنيا بالشمس .
" والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك ومن الأحزاب من ينكر بعضه قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به إليه أدعوا وإليه المآب "