" الله يبسط الرزق " أي الله وحده هو يبسط الرزق ويقدره دون غيره وهو الذي بسط رزق أهل مكة ووسعه عليهم " وفرحوا " بما بسط لهم من الدنيا فرح بطر وأشر لافرح سرور بفضل الله وإنعامه عليهم ولم يقابلوه بالشكر حتى يستوجبوا نعيم الآخرة وخفي عليهم أن نعيم الدنيا في جنب نعيم الآخرة ليس إلا شيئا نزرا يتمتع به كعجالة الراكب وهو ما يتعجله من تميرات أو شربة سويق أو نحو ذلك .
" ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب " .
فإن قلت : كيف طابق قولهم " لولا أنزل عليه آية من ربه " قوله : " قل إن الله يضل من يشاء " ؟ قلت : هو كلام يجري مجرى التعجب من قولهم وذلك أن الآيات الباهرة المتكاثرة التي أوتيها رسول الله A لم يؤتها نبي قبله وكفى بالقرآن وحده آية وراء كل آية فإذا جحدوها ولم يعتدوا بها وجعلوه كأن آية لم تنزل عليه قط كان موضعا للتعجب والاستنكار فكأنه قيل لهم : ما أعظم عنادكم وما أشد تصميمكم على كفركم : إن الله يضل من يشاء ممن كان على صفتكم من التصميم وشدة الشكيمة في الكفر فلا سبيل إلى اهتدائهم وإن أنزلت كل آية " ويهدي إليه من " كان على خلاف صفتكم " أناب " أقبل إلى الحق وحقيقته دخل في نوبة الخير و " الذين آمنوا " بدل من " من أناب " " وتطمئن قلوبهم بذكر الله " بذكر رحمته ومغفرته بعد القلق والاضطراب من خشيته كقوله : " ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله " الزمر : 23 ، أو تطمئن بذكر دلائله الدالة على وحدانيته أو تطمئن بالقرآن لأنه معجزة بينة تسكن القلوب وتثبت اليقين فيها " الذين آمنوا " مبتدأ و " طوبى لهم " خبره . ويجوز أن يكون بدلا من القلوب على تقدير حذف المضاف أي : تطمئن القلوب قلوب الذين آمنوا وطوبى مصدر من طاب كبشرى وزلفى ومعنى طوبى لك أصبت خيرا وطيبا ومحلها النصب أو الرفع كقولك : طيبا لك وطيب لك وسلاما لك وسلام لك والقراءة في قوله وحسن مآب بالرفع والنصب تدلك على محليها . واللام في لهم للبيان مثلها في سقيا لك والواو في طوبى منقلبة عن ياء لضمة ما قبلها كموقن وموسر وقرأ مكوزة الأعرابي : طيبى لهم فكسر الطاء لتسلم الياء كما قيل : بيض ومعيشة .
" كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلوا عليهم الذي أوحينا إليك وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب " .
" كذلك أرسلناك " مثل ذلك الإرسال أرسلناك يعني : أرسلناك إرسالا له شأن وفضل على سائر الإرسالات ثم فسر كيف أرسله فقال : " في أمة قد خلت من قبلها أمم " أي أرسلناك في أمة قد تقدمتها أمم كثيرة فهي آخر الأمم وأنت خاتم الأنبياء " لتتلوا عليهم الذي أوحينا إليك " لتقرأ عليهم الكتاب العظيم الذي أوحينا إليك " وهم يكفرون " وحال هؤلاء أنهم يكفرون " بالرحمن " بالبليغ الرحمة الذي وسعت رحمته كل شيء وما بهم من نعمة فمنه فكفروا بنعمته في إرسال مثلك إليهم وإنزال هذا القرآن المعجز المصدق لسائر الكتب عليهم " قل هو ربي " الواحد المتعالي عن الشركاء " عليه توكلت " في نصرتي عليكم " وإليه متاب " فيثيبني على مصابرتكم ومجاهدتكم .
" ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا أفلم ييئس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد "